وقوله : (فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا).
قد ذكرنا فيما تقدم أن لا أحد يقصد قصد الاستكبار على الله تعالى. ثم يخرج هذا على وجهين :
أحدهما : أنهم قد أمروا بطاعة الرسل ـ عليهمالسلام ـ فاستكبروا عن الائتمار لهم لما دعوهم إليه ؛ فيصير استكبارهم عليه كالاستكبار على الله تعالى.
والثاني : لما تركوا عبادة الله تعالى وجعل في أنفسهم دلالة العبادة لله تعالى ؛ فإذا تركوا العبادة لله تعالى فقد تركوا الائتمار بأمره ، لم يعتقدوا الائتمار لذلك الأمر فيكون استكبارا عليه ، والله أعلم.
وقوله : (فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ).
يقول ـ والله أعلم ـ : فإن استكبر هؤلاء على عبادة الله تعالى فأوحشك ذلك ، فاذكر عبادة من عنده من الملائكة بالليل والنهار حتى تستأنس بذلك ، والله أعلم. وهو كقوله : (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ) [الأنعام : ١٠] كان يستوحش باستهزائهم به ؛ فذكر له استهزاء أولئك بإخوانه ليقلّ ذلك فيه ؛ لما علم أنه ليس أول من استهزئ به ، فهذا مثله.
والثاني : فإن استكبر هؤلاء على عبادة الله وقد عبدوا الملائكة والأصنام وغيرهم ، فالذين هم عند ربك ممن عندهم هؤلاء لم يستكبروا ؛ بل هم مسبحون له بالليل والنهار وهم لا يسأمون ، وهو كقوله ـ تعالى ـ : (أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ) الآية [الإسراء : ٥٧] ؛ وكقوله ـ تعالى ـ : (لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ) [النساء : ١٧٢] يقول : إن استنكف هؤلاء عن أن يكونوا عبدا لله ، فالمسيح ومن ذكر لم يستنكفوا عن ذلك.
وقوله تعالى : (وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ).
يخبر أنهم لا يسأمون عن عبادته كما يسأم البشر أحيانا عن عبادته ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ ...) الآية.
وقال فيما تقدم : (وَمِنْ آياتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ) فيما ذكر من الآيات آيات وحدانيته ، وآيات قدرته وعلمه وتدبيره ، وآيات حكمته :
أما آيات وحدانيته في الليل والنهار والشمس والقمر : هو أنه إذا كان سلطان أحدهما ليل أو نهار أو شمس أو قمر لم يمنع عن كون الآخر ، ولو كان ذلك فعل عدد لكان منع الآخر عن إتيان ما يذهب سلطانه ؛ فإذا لم يكن دل أنه فعل واحد.