وقال بعضهم : قوله : (قالُوا آذَنَّاكَ ما مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ) هذا من قول الأصنام والذين عبدوهم من دون الله في الدنيا ، يقولون : ما منا من شهيد على عبادة أولئك إيانا ، ولا أمرناهم بذلك ؛ وهو كقوله : (وَقالَ شُرَكاؤُهُمْ ما كُنْتُمْ إِيَّانا تَعْبُدُونَ) [يونس : ٢٨] ، وقولهم : (بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئاً) [غافر : ٧٤] ، أخبروا أنهم كانوا غافلين عن عبادتهم إياهم ، وأنهم ما أمروهم بها ؛ فعلى ذلك قوله تعالى : (آذَنَّاكَ ما مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ) أي : أخبرناك.
وقوله تعالى : (آذَنَّاكَ) على هذا التأويل هو ما ذكروا : أن كنا عن عبادتكم لغافلين ، والله تعالى أعلم.
ثم إن الكفرة في يوم القيامة مرة أنكروا عبادتهم غير الله ، وأحيانا أقروا بها وتبرءوا منها ، ومرة سألوا الرجوع إلى المحنة والرد إلى الدنيا على اختلاف الأحوال والأوقات في ذلك اليوم ؛ إذ لا تكون هذه إلا الأسئلة المختلفة في وقت واحد ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ).
هو ما ذكر في آية أخرى (ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ. مِنْ دُونِ اللهِ قالُوا ضَلُّوا عَنَّا) [غافر : ٧٣ ، ٧٤] ؛ وذلك أنهم كانوا يعبدون الأصنام في الدنيا ؛ رجاء أن تشفع لهم في الآخرة وتقربهم إلى الله زلفى ، فلما أيسوا ما رجوا منها ، وقمعوا ، قالوا : (ضَلُّوا عَنَّا) ؛ فعلى ذلك قوله : (وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَدْعُونَ) من قبل في الدنيا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ) ، أي : أيقنوا وعلموا أن لا محيص لهم ولا نجاة.
وقال أبو عوسجة : (ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ) ، أي : مهرب.
قوله تعالى : (لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُسٌ قَنُوطٌ (٤٩) وَلَئِنْ أَذَقْناهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هذا لِي وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِما عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ (٥٠) وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ) (٥١)
وقوله ـ عزوجل ـ : (لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَؤُسٌ قَنُوطٌ) ، وقال في آية أخرى : (وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَنَأى بِجانِبِهِ وَإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ) ، هاتان الآيتان في ظاهر المخرج : إحداهما : مخالفة للأخرى ؛ لأنه ذكر في إحداهما الإياس والقنوت إذا مسه الشر ، وفي الأخرى كثرة الدعاء إذا مسه الشدة والبلاء ، ومن طباع الخلق والعرف فيهم أنهم [إذا] أيسوا وقنتوا لا يدعون ولا يسألون ، بل يتركون