قوم من اليهود تكلّموا في صفات الله تعالى ، فألحدوا وجسّموا وأتوا بكلّ تخليط.
وقوله تعالى : (وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ) معناه : في قبضته ، واليمين هنا ، والقبضة عبارة عن القدرة والقوّة ، وما اختلج في الصدور من غير ذلك باطل ، و (فَصَعِقَ) في هذه الآية ، معناه : خرّ ميّتا ، و (الصُّورِ) : القرن ، ولا يتصوّر هنا غير هذا ، ومن يقول : (الصُّورِ) جمع صورة ، فإنما يتوجّه قوله في نفخة البعث ، وقد تقدّم بيان نظير هذه / الآية في غير هذا الموضع.
وقوله تعالى : (ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى) هي نفخة البعث ، وفي الحديث : «أنّ بين النّفختين أربعين» لا يدري أبو هريرة سنة أو شهرا أو يوما أو ساعة* ت* : ولفظ مسلم : عن أبي هريرة قال : قال النبيّ صلىاللهعليهوسلم وما بين النفختين أربعون ، قالوا : يا أبا هريرة : أربعون سنة؟ قال : أبيت قالوا : أربعون شهرا؟ قال : أبيت ، قالوا : أربعون يوما؟ قال : أبيت الحديث ، قال صاحب «التّذكرة» (١) : فقيل : معنى قوله : «أبيت» أي : امتنعت من بيان ذلك ؛ إذ ليس هو ممّا تدعو إليه حاجة ، وعلى هذا كان عنده علم ذلك ، وقيل : المعنى : أبيت أن أسأل (٢) النبيّ صلىاللهعليهوسلم عن ذلك ، وعلى هذا : فلا علم عنده ، والأوّل أظهر ، وقد جاء أنّ ما بين النفختين أربعين عاما ، انتهى ، وقد تقدّم أنّ الصحيح في المستثنى في الآية أنّهم الشهداء قال الشيخ أبو محمّد بن بزيزة في «شرح الأحكام الصغرى» لعبد الحقّ : الذي تلقيناه من شيوخنا المحققين أن العوالم التي لا تفنى سبعة : العرش ، والكرسيّ ، واللّوح ، والقلم ، والجنّة ، والنار ، والأرواح. انتهى.
(وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها) معناه : أضاءت وعظم نورها ، و (الْأَرْضُ) في هذه الآية : الأرض المبدّلة من الأرض المعروفة.
وقوله : (بِنُورِ رَبِّها) إضافة مخلوق (٣) إلى خالق ، و (الْكِتابُ) كتاب حساب
__________________
(١) ينظر : «التذكرة» (١ / ٢٣١)
(٢) أخرجه البخاري (٨ / ٤١٤) كتاب «التفسير» باب : (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرى فَإِذا هُمْ قِيامٌ يَنْظُرُونَ) (٤٨١٤) ، (٨ / ٥٥٨) كتاب «التفسير» باب : (يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْواجاً) (٤٩٣٥) ، ومسلم (٤ / ٢٢٧٠) كتاب «الفتن وأشراط الساعة» باب : ما بين النفختين (١٤١ / ٢٩٥٥) ، (١٤٣ / ٢٩٥٥) ، وأخرجه مختصرا مالك (١ / ٢٣٩) كتاب «الجنائز» باب : جامع الجنائز (٤٨) ، والنسائي (٤ / ١١١ ـ ١١٢) ، كتاب «الجنائز» باب : أرواح المؤمنين برقم : (٢٠٧٧) ، وابن ماجه (٢ / ١٤٢٥) ، كتاب «الزهد» باب : ذكر القبر والبلى (٤٢٦٦)
(٣) في د : خلق.