بِاللهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (٨٤) فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ وَخَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ)(٨٥)
وقوله تعالى : (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثاراً فِي الْأَرْضِ فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ ...) الآية ، هذا احتجاج على قريش بما أظهر سبحانه في الأمم السالفة من نقماته في الكفار الذين كانوا أكثر منهم ، وأشدّ قوّة قال أبو حيان (١) : (فَما أَغْنى) «ما» نافية أو استفهامية بمعنى النفي ، انتهى.
وقوله سبحانه : (فَلَمَّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) الآية ، الضمير في (جاءتهم) عائد على الأمم المذكورة ، واختلف المفسّرون في الضمير في (فَرِحُوا) على من يعود؟ فقال مجاهد وغيره : هو عائد على الأمم المذكورين (٢) ، أي : فرحوا بما عندهم من العلم في ظنّهم ومعتقدهم من أنهم لا يبعثون ولا يحاسبون ، قال ابن زيد : واغترّوا بعلمهم بالدنيا والمعاش ، وظنوا أنه لا آخرة ؛ ففرحوا (٣) وهذا كقوله تعالى : (يَعْلَمُونَ ظاهِراً مِنَ الْحَياةِ الدُّنْيا) [الروم : ٧] وقالت فرقة : الضمير في (فَرِحُوا) عائد على الرسل ، وفي هذا التأويل حذف وتقديره : فلما جاءتهم رسلهم بالبينات ، كذّبوهم ففرح الرسل بما عندهم من العلم بالله والثقة به ، وبأنه سينصرهم ، والضمير في (بِهِمْ) عائد على الكفار بلا خلاف ، ثم حكى سبحانه حالة بعضهم ممّن آمن بعد تلبّس العذاب بهم ، فلم ينفعهم ذلك ؛ وفي ذكر هذا حضّ على المبادرة.
و (سُنَّتَ) نصب على المصدر ، * ت* : وقيل : المعنى : احذروا سنّة الله ؛ كقوله : (ناقَةُ اللهِ) [الشمس : ١٣] قال الفخر ، وقوله : (هُنالِكَ) : اسم مكان مستعار للزّمان ، أي : وخسروا وقت رؤية البأس ، انتهى ، وصلّى الله على سيدنا محمّد وعلى آله وصحبه ، وسلّم تسليما.
__________________
(١) ينظر : «البحر المحيط» (٧ / ٤٥٧)
(٢) أخرجه الطبري (١١ / ٨٢) برقم : (٣٠٤١٣) ، وذكره البغوي (٤ / ١٠٦) ، وابن عطية (٤ / ٥٧١) ، وابن كثير في «تفسيره» (٤ / ٨٩) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٥ / ٦٧٠) ، وعزاه لعبد بن حميد ، وابن المنذر عن مجاهد.
(٣) ذكره ابن عطية في «تفسيره» (٤ / ٥٧١)