(يَعْلَمُونَ) : متعلّق في المعنى بقوله : (عَرَبِيًّا) : أي : لقوم يعلمون ألفاظه ، ويتحقّقون أنّها لم يخرج شيء منها عن كلام العرب ، وكأنّ الآية على هذا التأويل رادّة على من زعم أنّ في كتاب الله ما ليس في كلام العرب ، والتأويل الأوّل أبين وأشرف معنى وبيّن أنّه ليس في القرآن إلّا ما هو من كلام العرب ، إمّا من أصل لغتها ، وإمّا ممّا عرّبته من لغة غيرها ، ثم ذكر في القرآن وهو معرّب مستعمل.
وقوله تعالى : (فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ) نفي لسماعهم النافع الذي يعتدّ به ، ثم حكى عنهم مقالتهم التي باعدوا فيها كلّ المباعدة ، وأرادوا أن يؤيسوه من قبولهم ما جاء به ، وهي : (قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ) وأكنّة : جمع كنان ، والوقر : الثّقل في الأذن الذي يمنع السمع.
وقوله تعالى : (وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ ...) الآية : قال الحسن : المراد بالزكاة : زكاة المال (١) ، وقال ابن عبّاس والجمهور : الزكاة في هذه الآية : لا إله إلّا الله التّوحيد (٢) ؛ كما قال موسى لفرعون : (هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى) [النازعات : ١٨] ويرجّح هذا التأويل أنّ الآية مكّيّة ، وزكاة المال إنما نزلت بالمدينة ؛ وإنّما هذه زكاة القلب والبدن ، أي : تطهيره من المعاصي ؛ وقاله مجاهد والربيع (٣) ، وقال الضّحّاك ومقاتل : معنى الزكاة هنا : النفقة في الطاعة (٤) ، و (غَيْرُ مَمْنُونٍ) قال ابن عبّاس : معناه : غير منقوص (٥) ، وقالت فرقة : معناه : غير مقطوع ؛ يقال : مننت الحبل : إذا قطعته ، وقال مجاهد : معناه : غير محسوب (٦) ، قال* ع (٧) * : ويظهر في الآية أنّه وصفه بعدم المنّ والأذى من حيث هو من جهة الله تعالى ، فهو شريف لا منّ فيه ، وأعطيات البشر هي التي يدخلها المنّ ، والأنداد : الأشباه والأمثال ، وهي إشارة إلى كلّ ما عبد من دون الله.
__________________
(١) أخرجه الطبري (١١ / ٨٦) برقم : (٣٠٤٢٤) عن قتادة ، وذكره البغوي (٤ / ١٠٧) آية رقم : (٧) ، وذكره ابن عطية (٥ / ٤)
(٢) أخرجه الطبري (١١ / ٨٦) برقم : (٣٠٤٢٢) ، وذكره البغوي (٤ / ١٠٧) ، وابن عطية (٥ / ٥) ، وابن كثير (٤ / ٩٢) ط الحلبي ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٥ / ٦٧٥) ، وعزاه إلى ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي في «الأسماء والصفات».
(٣) ذكره ابن عطية (٥ / ٥)
(٤) ذكره البغوي في «تفسيره» (٤ / ١٠٨) ، وابن عطية (٥ / ٥)
(٥) أخرجه الطبري (١١ / ٨٦) برقم : (٣٠٤٢٧) ، وذكره البغوي في «تفسيره» (٤ / ١٠٨) ، وابن عطية (٥ / ٥)
(٦) أخرجه الطبري (١١ / ٨٦) برقم : (٣٠٤٢٨) ، وذكره البغوي في «تفسيره» (٤ / ١٠٨) آية رقم : (٨) ، وابن عطية (٥ / ٥)
(٧) ينظر : «المحرر الوجيز» (٥ / ٥)