ثم وصف تعالى حالهم في الدنيا وما أصابهم به حين أعرضوا ، فحتّم عليهم ، فقال : (وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ) ، أي : يسّرنا لهم قرناء سوء من الشياطين وغواة الإنس.
وقوله : (فَزَيَّنُوا لَهُمْ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) أي : علّموهم ، وقرّروا لهم في نفوسهم معتقدات سوء في الأمور التي تقدّمتهم من أمر الرسل والنبوّات ، ومدح عبادة الأصنام ، واتّباع فعل الآباء ، إلى غير ذلك ممّا يقال : إنّه بين أيديهم ، وذلك كلّ ما تقدّمهم في الزّمن ، واتّصل إليهم أثره أو خبره ، وكذلك أعطوهم معتقدات سوء فيما خلفهم ، وهو كلّ ما يأتي بعدهم من القيامة والبعث ونحو ذلك (وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ) أي : سبق عليهم القضاء الحتم ، وأمر الله بتعذيبهم في جملة أمم معذّبين ، كفّار من الجنّ والإنس.
وقالت فرقة : «في» بمعنى «مع» ، أي : مع أمم ، قال* ع (١) * : والمعنى / يتأدى بالحرفين ، ولا نحتاج أن نجعل حرفا بمعنى حرف ، إذ قد أبى ذلك رؤساء البصريّين.
(وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (٢٦) فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذاباً شَدِيداً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ (٢٧) ذلِكَ جَزاءُ أَعْداءِ اللهِ النَّارُ لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ جَزاءً بِما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ (٢٨) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلاَّنا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُما تَحْتَ أَقْدامِنا لِيَكُونا مِنَ الْأَسْفَلِينَ)(٢٩)
وقوله تعالى : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ ...) الآية : حكاية لما فعله بعض كفار قريش ، كأبي جهل وغيره ، لما خافوا استمالة القلوب بالقرآن ، قالوا : متى قرأ محمّد فالغطوا بالصّفير والصياح وإنشاد الشعر ؛ حتى يخفى صوته ، فهذا الفعل منهم هو اللغو ، وقال أبو العالية : أرادوا : قعوا فيه وعيّبوه ، وقولهم : (لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ) أي : تطمسون أمر محمّد ، وتميتون ذكره ، وتصرفون عنه القلوب ، فهذه الغاية التي تمنوها ، ويأبى الله إلّا أن يتم نوره ولو كره الكافرون.
وقوله تعالى : (فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذاباً شَدِيداً ...) الآية ، قوله : (فَلَنُذِيقَنَ) : الفاء دخلت على لام القسم ، وهي آية وعيد لقريش ، والعذاب الشديد : هو عذاب الدنيا في بدر وغيرها ، والجزاء بأسوإ أعمالهم هو عذاب الآخرة.
* ت* : حدّث أبو عمر في «كتاب التمهيد» قال : حدّثنا أحمد بن قاسم ، قال : حدّثنا محمّد بن معاوية ، قال : حدّثنا إبراهيم بن موسى بن جميل ، قال : حدّثنا
__________________
(١) ينظر : «المحرر الوجيز» (٥ / ١٢)