وقوله : (مِنْ فَوْقِهِنَ) أي : من أعلاهن ، وقال الأخفش ، عليّ بن سليمان : الضمير في (مِنْ فَوْقِهِنَ) للكفّار ، أي : من فوق الجماعات الكافرة والفرق الملحدة من أجل أقوالها تكاد السّموات يتفطّرن ، فهذه الآية على هذا كالتي في «كهيعص» : (تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ) [مريم : ٩٠] الآية ، وقالت فرقة : معناه : من فوق الأرضين ، إذ قد جرى ذكر الأرض.
وقوله تعالى : (وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ) قالت فرقة : هذا منسوخ بقوله تعالى : (وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا) [غافر : ٧] قال* ع (١) * : وهذا قول ضعيف ، لأنّ النسخ في الأخبار لا يتصوّر ، وقال السّدّيّ ما معناه : إنّ ظاهر الآية العموم ، ومعناها الخصوص في المؤمنين ، فكأنّه قال : ويستغفرون لمن في الأرض من المؤمنين (٢) ، وقالت فرقة : بل هي على عمومها : لكنّ استغفار الملائكة ليس بطلب غفران للكفرة مع بقائهم على كفرهم ، وإنّما استغفارهم لهم بمعنى طلب الهداية التي تؤدّي إلى الغفران لهم ، وتأويل السّدّيّ أرجح.
(وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ اللهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (٦) وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ (٧) وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ ما لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ)(٨)
وقوله تعالى : (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ اللهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ) هذه آية تسلية للنّبيّ صلىاللهعليهوسلم ووعيد للكافرين ، والمعنى : ليس عليك إلّا البلاغ فقط ، فلا تهتمّ بعدم إيمان قريش وغيرهم ، الله هو الحفيظ عليهم كفرهم المحصي لأعمالهم ، المجازي عليها ، وأنت لست بوكيل عليهم ، وما في هذه الألفاظ من موادعة فمنسوخ ؛ قال الإمام الفخر في شرحه لأسماء الله / الحسنى ، عند كلامه على اسمه سبحانه «الحفيظ» : قال بعضهم : ما من عبد حفظ جوارحه إلّا حفظ الله عليه قلبه ، وما من عبد حفظ الله عليه قلبه إلّا جعله حجّة على عباده ، انتهى ، ثم قال تعالى : (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا) [المعنى : وكما قضينا أمرك هكذا ، وأمضيناه في هذه السورة كذلك أوحينا إليك قرآنا عربيّا] (٣) مبينا لهم ، لا يحتاجون إلى آخر سواه ؛ إذ فهمه متأتّ لهم ، ولم نكلّفك إلّا إنذار من ذكر ، و (أُمَّ الْقُرى) هي مكة ، و (يَوْمَ الْجَمْعِ) هو يوم القيامة ، أي : تخوفهم إيّاه.
__________________
(١) ينظر : «المحرر الوجيز» (٥ / ٢٦)
(٢) أخرجه الطبري (١١ / ١٢٩) برقم : (٣٠٦١٥)
(٣) سقط في : د.