وقوله تعالى : (وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا) مدح لكلّ من آمن بالله ، وقبل شرعه ، ومدح الله تعالى القوم الذين أمرهم شورى بينهم ؛ لأنّ في ذلك اجتماع الكلمة ، والتّحابّ ، واتصال الأيدي ، والتّعاضد على الخير ، وفي الحديث : «ما تشاور قوم قطّ إلّا هدوا لأحسن ، ما بحضرتهم (١).
وقوله تعالى : (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) معناه : في سبيل الله ، وبرسم الشرع ؛ وقال ابن زيد قوله تعالى : (وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ ...) الآية ، نزلت في الأنصار (٢) ، والظاهر أنّ الله تعالى مدح كلّ من اتّصف بهذه الصفة كائنا من كان ، وهل حصل الأنصار في هذه الصفة إلا بعد سبق المهاجرين إليها ـ رضي الله عن جميعهم بمنّه وكرمه ـ.
وقوله عزوجل : (وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ) : مدح سبحانه في هذه الآية قوما بالانتصار ممّن بغى عليهم ، ورجح ذلك قوم من العلماء وقالوا : الانتصار بالواجب تغيير منكر ، قال الثعلبيّ : قال إبراهيم [النّخعيّ] في هذه الآية : كانوا يكرهون أن يستذلّوا ، فإذا قدروا عفوا ، انتهى.
وقوله سبحانه : (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) قيل : سمّي الجزاء باسم الابتداء ، وإن لم يكن سيئة ، لتشابههما في الصورة ، قال* ع (٣) * : وإن أخذنا السيّئة هنا بمعنى المصيبة في حقّ البشر ، أي : يسوء هذا هذا ويسوءه الآخر ـ فلسنا نحتاج إلى أن نقول : سمى العقوبة باسم الذنب ؛ بل الفعل الأوّل والآخر سيئة ، قال الفخر : اعلم أنّه تعالى / لما قال : (وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ) أردفه بما يدلّ على أنّ ذلك الانتصار يجب أن يكون مقيّدا بالمثل ؛ فإنّ النقصان حيف ، والزيادة ظلم ، والمساواة هو العدل ؛ فلهذا السبب قال تعالى : (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) انتهى ؛ ويدلّ على ذلك قوله تعالى : (وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ) ونحوه من الآي ، واللام في قوله : (وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ) لام التقاء القسم.
وقوله : (مِنْ سَبِيلٍ) يريد : من سبيل حرج ولا سبيل حكم ، وهذا إبلاغ في إباحة الانتصار ، والخلاف فيه : هل هو بين المؤمن والمشرك ، أو بين المؤمنين؟.
__________________
(١) أخرجه البخاري في «الأدب المفرد» (٨١) باب : المشورة (٢٥٣) نحوه ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٥ / ٧٠٧) ، وعزاه إلى عبد بن حميد ، وابن المنذر.
(٢) أخرجه الطبري (١١ / ١٥٤) برقم : (٣٠٧٢٣) ، وذكره ابن عطية (٥ / ٣٩)
(٣) ينظر : «المحرر الوجيز» (٥ / ٤٠)