لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ وَمَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ (٣٣) وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْواباً وَسُرُراً عَلَيْها يَتَّكِؤُنَ (٣٤) وَزُخْرُفاً وَإِنْ كُلُّ ذلِكَ لَمَّا مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَالْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ)(٣٥)
وقوله : (بَلْ مَتَّعْتُ هؤُلاءِ) يعني قريشا (حَتَّى جاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ) ، وذلك هو شرع الإسلام ، والرسول [هو] محمّد صلىاللهعليهوسلم و (مُبِينٌ) أي : يبين لهم الأحكام ، والمعنى في الآية : بل أمهلت هؤلاء ومتّعتهم بالنعمة (وَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُ) يعني القرآن (قالُوا هذا سِحْرٌ).
(وَقالُوا) يعني قريشا : (لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) يعني : من إحدى القريتين ، وهما مكّة والطّائف ، ورجل مكّة هو الوليد بن المغيرة في قول ابن عبّاس وغيره (١) ، وقال مجاهد : هو عتبة بن ربيعة (٢) ، وقيل غير هذا ، ورجل الطائف : قال قتادة : هو عروة بن مسعود (٣) ، وقيل غير هذا ، قال* ع (٤) * : وإنّما قصدوا إلى من عظم ذكره بالسّنّ ، وإلّا فرسول الله صلىاللهعليهوسلم كان أعظم من هؤلاء ؛ إذ كان المسمّى عندهم «الأمين» ، ثم وبّخهم سبحانه بقوله : (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ) و «الرحمة» اسم عامّ يشمل النبوّة وغيرها ، وفي قوله تعالى : (نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ) تزهيد في السعايات ، وعون على التّوكّل على الله عزوجل ؛ ولله درّ القائل : [الرجز]
[كم جاهل يملك دورا وقرى |
|
[وعالم يسكن بيتا بالكرى] (٥) |
لمّا سمعنا قوله سبحانه |
|
نحن قسمنا بينهم زال المرا (٦) |
وروى ابن المبارك في «رقائقه» بسنده عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم أنّه قال : «إذا أراد الله بعبد خيرا أرضاه بما قسم له ، وبارك له فيه ، وإذا لم يرد به خيرا ، لم يرضه بما قسم له ، ولم يبارك له فيه» (٧) انتهى ، و (سُخْرِيًّا) بمعنى التسخير ، ولا مدخل لمعنى الهزء في هذه الآية.
__________________
(١) أخرجه الطبري (١١ / ١٨١) برقم : (٣٠٨٢٩) ، وذكره ابن عطية (٥ / ٥٢) ، وابن كثير في «تفسيره» (٤ / ١٢٦ ـ ١٢٧) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٥ / ٧٢١) ، وعزاه إلى ابن مردويه ، وابن أبي حاتم.
(٢) أخرجه الطبري (١١ / ١٨١) برقم : (٣٠٨٣٠) ، وذكره البغوي (٤ / ١٣٧) ، وابن عطية (٥ / ٥٢) ، وابن كثير (٤ / ١٢٧) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٥ / ٧٢١) ، وعزاه إلى ابن عساكر.
(٣) أخرجه الطبري (١١ / ١٨١) برقم : (٣٠٨٣١) ، وذكره البغوي في «تفسيره» (٤ / ١٣٧) ، وابن عطية (٥ / ٥٢) ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٥ / ٧٢١) ، وعزاه إلى عبد بن حميد.
(٤) ينظر : «المحرر الوجيز» (٥ / ٥٣)
(٥) سقط في : د.
(٦) ذكر بعضه ابن عطية في «المحرر» (٥ / ٥٣)
(٧) ذكره السيوطي في «الجامع الكبير» (١١١٧) ، وعزاه للديلمي عن أبي هريرة.