المعادلة بين الاجتراح وعمل الصالحات ، ويكون الإيمان في الفريقين ، ولهذا بكى الخائفون ـ رضي الله عنهم ـ.
* ت* : وروى ابن المبارك في «رقائقه» بسنده ؛ أن تميما الدّاريّ ـ رضي الله عنه ـ بات ليلة إلى الصباح ، يركع ويسجد ، ويردّد هذه الآية : (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ) الآية ، ويبكي ـ رضي الله عنه ـ ، انتهى.
وقوله : (ساءَ ما يَحْكُمُونَ) : «ما» مصدرية ، والتقدير : ساء الحكم حكمهم.
(أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (٢٣) وَقالُوا ما هِيَ إِلاَّ حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلاَّ الدَّهْرُ وَما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ)(٢٤)
وقوله سبحانه : (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ ...) الآية : تسلية للنّبيّ صلىاللهعليهوسلم أي : لا تهتمّ بأمر الكفرة من أجل إعراضهم عن الإيمان ، وقوله : (إِلهَهُ هَواهُ) إشارة إلى الأصنام ؛ إذ كانوا يعبدون ما يهوون من الحجارة ، وقال قتادة : المعنى : لا يهوى شيئا إلا ركبه ، لا يخاف الله (١) ؛ فهذا كما يقال : الهوى إله معبود ، وهذه الآية وإن كانت نزلت في هوى الكفر ؛ فهي متناولة جميع هوى النفس الأمّارة ؛ قال النبيّ صلىاللهعليهوسلم : «والعاجز من أتبع نفسه هواها ، وتمنّى على الله» (٢) ، وقال سهل التّستريّ : هواك داؤك ؛ فإن خالفته فدواؤك ، ، وقال وهب : إذا عرض لك أمران ، وشككت في خيرهما ، فانظر أبعدهما من هواك فأته ؛ ومن الحكمة في هذا قول القائل : [الطويل]
إذا أنت لم تعص الهوى قادك الهوى |
|
إلى كلّ ما فيه عليك مقال |
قال الشيخ ابن أبي جمرة : قوله / صلىاللهعليهوسلم : «فيقال : من كان يعبد شيئا فليتبعه» «شيئا» يعم جميع الأشياء ، مدركة كانت أو غير مدركة ، فالمدرك : كالشمس والقمر ، وغير المدرك ، مثل : الملائكة والهوى ؛ لقوله عزوجل : (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ) ، وما أشبه ذلك ، انتهى ، قال القشيريّ في «رسالته» : وحكي عن ابي عمران الواسطيّ قال : انكسرت بنا السفينة ، فبقيت أنا وامرأتي على لوح ، وقد ولدت في تلك الحال صبيّة ، فصاحت بي ، وقالت : يقتلني العطش ، فقلت : هو ذا يرى حالنا ، فرفعت رأسي ، فإذا رجل في الهواء جالس في يده سلسلة من ذهب ، وفيها كوز من ياقوت أحمر ، فقال : هاك ،
__________________
(١) ذكره البغوي في «تفسيره» (٤ / ١٥٩ ، ١٦٠) آية رقم : (٢١)
(٢) تقدم.