وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ)(٢٠)
وقوله سبحانه : (ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ ...) الآية : «الشريعة» لغة : مورد المياه ، وهي في الدين من ذلك ؛ لأنّ الناس يردون الدين ابتغاء رحمة الله والتقرّب منه ، و «الأمر» واحد الأمور ، ويحتمل أن يكون واحد الأوامر ، و (الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) هم : الكفّار ، وفي قوله تعالى : (وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَاللهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ) تحقير للكفرة من حيث خروجهم عن ولاية الله تعالى.
* ت* : وقد قال صلىاللهعليهوسلم يوم أحد : «أجيبوهم فقولوا : الله مولانا ، ولا مولى لكم» (١) ، وذلك أنّ قريشا قالوا للصحابة : لنا العزّى ، ولا عزّى لكم.
وقوله عزوجل : (هذا بَصائِرُ لِلنَّاسِ) يريد : القرآن ، وهو جمع «بصيرة» ، وهو المعتقد الوثيق في الشيء ، كأنّه من إبصار القلب ؛ قال أبو حيّان : وقرىء : «هذه» أي : هذه الآيات ، انتهى.
(أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ (٢١) وَخَلَقَ اللهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ)(٢٢)
وقوله سبحانه : (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ) قيل : إنّ الآية نزلت بسبب افتخار كان للكفّار على المؤمنين ، قالوا : لئن كانت آخرة ، كما تزعمون ، لنفضّلنّ عليكم فيها ، كما فضّلنا في الدّنيا.
و (اجْتَرَحُوا) معناه : اكتسبوا ، وهذه الآية متناولة بلفظها حال العصاة من حال أهل التقوى ، وهي موقف للعارفين يبكون عنده ، وروي عن الربيع بن خيثم ، أنّه كان يردّدها ليلة حتّى أصبح (٢) ، وكذلك عن الفضيل بن عياض (٣) ، وكان يقول لنفسه : ليت / شعري! من أيّ الفريقين أنت؟ وقال الثعلبيّ : كانت هذه الآية تسمّى مبكاة العابدين (٤) ، قال* ع (٥) * : وأمّا لفظها فيعطي أنّه اجتراح الكفر ، بدليل معادلته بالإيمان ، ويحتمل أن تكون
__________________
(١) تقدم تخريجه.
(٢) ذكره ابن عطية (٥ / ٨٥)
(٣) ذكره ابن عطية (٥ / ٨٥)
(٤) ذكره ابن عطية (٥ / ٨٥)
(٥) ينظر : «المحرر الوجيز» (٥ / ٨٥)