فالله حسبي في ذلك ، وهو كان يعاقبني ولا يمهلني ، ثم رجع القول إلى الاستسلام إلى الله ، والاستنصار به عليهم ، وانتظار ما يقتضيه علمه بما يفيضون فيه من الباطل ومرادّة الحقّ ، وذلك يقتضي معاقبتهم ؛ ففي اللفظ تهديد ، والضمير في (بِهِ) عائد على الله عزوجل.
وقوله سبحانه : (وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) ترجية واستدعاء إلى التوبة ، ثم أمره عزوجل أن يحتجّ عليهم بأنّه لم يكن بدعا من الرسل ، والبدع والبديع من الأشياء ما لم ير مثله ، المعنى : قد جاء قبلي غيري ؛ قاله ابن عبّاس وغيره (١).
* ت* : ولفظ البخاريّ : وقال ابن عبّاس : (بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ) أي : لست بأوّل الرّسل (٢) ، واختلف الناس في قوله : (وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ) فقال ابن عبّاس وجماعة : كان هذا في صدر الإسلام ، ثم بعد ذلك عرّفه / الله عزوجل بأنّه قد غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر ، وبأنّ المؤمنين لهم من الله فضل كبير ، وهو الجنّة ، وبأنّ الكافرين في نار جهنّم (٣) ؛ والحديث الصحيح الذي وقع في جنازة عثمان بن مظعون يؤيّد هذا (٤) ، وقالت فرقة : معنى الآية : وما أدري ما يفعل بي ولا بكم من الأوامر والنواهي ، وقيل غير هذا.
وقوله : (إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَ) معناه : الاستسلام والتّبرّي من علم المغيّبات ، والوقوف مع النذارة من عذاب الله عزوجل.
(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (١٠) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ (١١) وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً وَهذا كِتابٌ مُصَدِّقٌ لِساناً عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرى لِلْمُحْسِنِينَ (١٢) إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (١٣) أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ)(١٤)
__________________
(١) أخرجه البخاري (٨ / ٤٣٩) كتاب «التفسير» باب : سورة الأحقاف تعليقا ، وقال ابن حجر : وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عبّاس ، وللطبري من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد مثله ، والطبري (١١ / ٢٧٥) (٣١٢٢٣) ، وذكره ابن عطية (٥ / ٩٣)
(٢) انظر السابق.
(٣) ذكره ابن عطية (٥ / ٩٤)
(٤) ينظر : «مجمع الزوائد» (٩ / ٣٠٥) ، كتاب «المناقب» باب : فضل عثمان بن مظعون رضي الله عنه.