وقوله سبحانه : (كَمَنْ هُوَ خالِدٌ فِي النَّارِ ...) الآية ، قبله محذوف ، تقديره : أسكّان هذه ، أو تقديره : أهؤلاء المتقون كمن هو خالد في النار.
(وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ما ذا قالَ آنِفاً أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ (١٦) وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ (١٧) فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها فَأَنَّى لَهُمْ إِذا جاءَتْهُمْ ذِكْراهُمْ (١٨) فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَاللهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْواكُمْ (١٩) وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْ لا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلى لَهُمْ (٢٠) طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ)(٢١)
وقوله سبحانه : (وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ) يعني بذلك : المنافقين (حَتَّى إِذا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ما ذا قالَ آنِفاً) ؛ على جهة الاستخفاف ، ومنهم من يقوله جهالة ونسيانا ، و (آنِفاً) معناه : مبتدئا ، كأنّه قال : ما القول الذي ائتنفه الآن قبل انفصالنا عنه ، والمفسّرون يقولون : (آنِفاً) معناه : الساعة الماضية ، وهذا تفسير بالمعنى.
* ت* : وقال الثعلبيّ : (آنِفاً) أي : الآن ، وأصله الابتداء ، قال أبو حيّان (١) : (آنِفاً) بالمدّ والقصر : اسم فاعل ، والمستعمل من فعله : ائتنفت ، ومعنى : (آنِفاً) مبتدئا ، فهو منصوب على الحال ، وأعربه الزّمخشريّ ظرفا ، أي : الساعة ، قال أبو حيّان (٢) : ولا أعلم أحدا من النحاة عدّة من الظّروف ، انتهى ، وقال العراقيّ : (آنِفاً) أي : الساعة.
وقوله تعالى : (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً) أي : زادهم الله هدى ، ويحتمل : زادهم استهزاء المنافقين هدى ، قال الثعلبيّ : وقيل : زادهم ما قال النبيّ صلىاللهعليهوسلم هدى ؛ قال* ع (٣) * : الفاعل في (وَآتاهُمْ) يتصرّف القول فيه بحسب التأويلات المذكورة ، وأقواها أنّ الفاعل الله تعالى ، (وَآتاهُمْ) معناه : أعطاهم ، أي : جعلهم متّقين.
وقوله تعالى : (فَهَلْ يَنْظُرُونَ) يريد : المنافقين ، والمعنى : فهل ينتظرون؟ و (بَغْتَةً) معناه / فجأة.
وقوله : (فَقَدْ جاءَ أَشْراطُها) أي : فينبغي الاستعداد والخوف منها ، والذي جاء من
__________________
(١) ينظر : «البحر المحيط» (٨ / ٧٩)
(٢) ينظر : المصدر السابق.
(٣) ينظر : «المحرر الوجيز» (٥ / ١١٥)