أبو بكر بن أبي شيبة أنّه قال صلىاللهعليهوسلم في خطبته : «توشكوا أن تعرفوا أهل الجنّة من أهل النار ، أو قال : خياركم من شراركم ، قالوا : بم يا رسول الله؟ قال : بالثّناء الحسن ، وبالثّناء السّيّئ ، أنتم شهداء الله بعضكم على بعض» (١). ومن كتاب «التشوّف» قال : وخرّج البزّار عن أنس قال : «قيل : يا رسول الله ، من أهل الجنّة؟ قال : من لا يموت حتّى تملأ مسامعه ممّا يحبّه ، قيل : فمن أهل النار؟ قال : من لا يموت حتّى تملأ مسامعه ممّا يكره» قال : وخرّج البزّار عن أبي هريرة «أنّ رجلا قال : يا رسول الله ، دلّني على عمل أدخل به الجنّة ، قال : لا تغضب ، وأتاه آخر ، فقال : متى أعلم أنّي محسن؟ قال : إذا قال جيرانك : إنّك محسن ، فإنّك محسن ، وإذا قالوا : إنّك مسيء ، فإنّك مسيء» (٢) انتهى ، ونقل القرطبي في «تذكرته» عن عبد الله بن السائب قال : مرّت جنازة بابن مسعود فقال لرجل : قم فانظر أمن أهل الجنّة هو أم من أهل النار ، فقال الرجل : ما يدريني أمن أهل الجنّة هو أم من أهل النار؟ قال : انظر ما ثناء الناس عليه ، فأنتم شهداء الله في الأرض ، / انتهى وبالله التوفيق ، وإياه نستعين.
وقوله سبحانه : (ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ ...) الآية : قال مجاهد وجماعة من المتأولين : المعنى : ذلك الوصف هو مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل (٣) ، وتم القول ، و (كَزَرْعٍ) ابتداء تمثيل ، وقال الطبريّ وحكاه عن الضّحّاك (٤) : المعنى : ذلك الوصف هو مثلهم في التوراة ، وتمّ القول ، ثم ابتدأ (وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ) (٥).
* ت* : وقيل غير هذا ، وأبينها الأوّل ، وما عداه يفتقر إلى سند يقطع الشك.
وقوله تعالى : (كَزَرْعٍ) على كلّ قول هو مثل للنبيّ* ع* وأصحابه في أنّ النبي* ع* بعث وحده فكان كالزرع حبّة واحدة ، ثم كثر المسلمون فهم كالشطء ، وهو فراخ السّنبلة التي تنبت حول الأصل ؛ يقال : أشطأت الشجرة ؛ إذا أخرجت غصونها ، وأشطأ الزرع : إذا أخرج شطأه ، وحكى النقاش عن ابن عبّاس أنّه قال : الزّرع : النّبيّ صلىاللهعليهوسلم ، (فَآزَرَهُ) : عليّ بن أبي طالب ، (فَاسْتَغْلَظَ) بأبي بكر ، (فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ) بعمر بن الخطاب.
__________________
(١) أخرجه أحمد (٦ / ٤٦٦) ، والبيهقي (١٠ / ١٢٣) كتاب «آداب القاضي» باب : اعتماد القاضي على تزكية المشركين وجرحهم.
(٢) تقدم تخريجه شاهدا لحديث : «لا تغضب».
(٣) أخرجه الطبري (١١ / ٣٧٣) برقم : (٣١٦٤١) ، وذكره ابن عطية (٥ / ١٤٢)
(٤) ينظر : «تفسير الطبري» (١١ / ٣٧٢)
(٥) أخرجه الطبري (١١ / ٣٧٢) برقم : (٣١٦٣٥) ، وذكره ابن عطية (٥ / ١٤٢)