وقوله سبحانه : (وَفِي السَّماءِ رِزْقُكُمْ) قال مجاهد وغيره (١) : هو المطر ، وقال واصل الأحدب : أراد القضاء والقدر (٢) ، أي : الرزق عند الله يأتي به كيف شاء سبحانه لا ربّ غيره ، و (تُوعَدُونَ) يحتمل أن يكون من الوعد ، ويحتمل أن يكون من الوعيد ؛ قال الضّحّاك. المراد : من الجنة والنار (٣) ، وقال مجاهد (٤) : المراد : الخير والشرّ ، وقال ابن سيرين (٥) : المراد : الساعة ، ثم أقسم سبحانه بنفسه على صحّة هذا القول والخبر ، وشبّهه في اليقين به بالنّطق من الإنسان ، وهو عنده في غاية الوضوح ، و «ما» زائدة تعطي تأكيدا ، والنطق في هذه الآية هو الكلام / بالحروف والأصوات في ترتيب المعاني ، وروي أنّ بعض الأعراب الفصحاء سمع هذه الآية فقال : من أحوج الكريم إلى أن يحلف؟! والحكاية بتمامها في كتاب الثعلبيّ ، وسبل الخيرات ، وروي أنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : «قاتل الله قوما ، أقسم لهم ربّهم بنفسه فلم يصدّقوه» وروى أبو سعيد الخدريّ أنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : «لو فرّ أحدكم من رزقه لتبعه كما يتبعه الموت» (٦) وأحاديث الرزق كثيرة ، ومن كتاب «القصد إلى الله سبحانه» للمحاسبيّ : قال : قلت لشيخنا : من أين وقع الاضطراب في القلوب ، وقد جاءها الضمان من الله عزوجل؟ قال : من وجهين.
أحدهما : قلّة المعرفة بحسن الظّن ، وإلقاء التّهم عن الله عزوجل.
والوجه الثاني : أن يعارضها خوف الفوت ، فتستجيب النفس للداعي ، ويضعف اليقين ، ويعدم الصبر ، فيظهر الجزع.
قلت : شيء غير هذا؟ قال : نعم ، إنّ الله عزوجل وعد الأرزاق ، وضمن ، وغيّب الأوقات ؛ ليختبر أهل العقول ، ولو لا ذلك لكان كلّ المؤمنين راضين صابرين متوكّلين ، لكنّ الله عزوجل أعلمهم أنّه رازقهم ، وحلف لهم على ذلك ، وغيّب عنهم أوقات العطاء ،
__________________
(١) أخرجه الطبري (١١ / ٤٦١) برقم : (٣٢١٨٤) ، وذكره البغوي (٤ / ٢٣١)
(٢) أخرجه الطبري (١١ / ٤٦١) برقم : (٣٢١٨٦) ، وذكره ابن عطية (٥ / ١٧٦) ، وابن كثير في «تفسيره» (٤ / ٢٣٥)
(٣) أخرجه الطبري (١١ / ٤٦١) برقم : (٣٢١٨٩) ، وذكره البغوي (٤ / ٢٣١) ، وابن عطية (٥ / ١٧٦) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ١٣٧) ، وعزاه لأبي الشيخ ، وابن جرير.
(٤) أخرجه الطبري (١١ / ٤٦١) برقم : (٣٢١٨٧) ، وذكره البغوي (٤ / ٢٣١) ، وابن عطية (٥ / ١٧٦) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ١٣٧) ، وعزاه لابن جرير ، وابن المنذر.
(٥) ذكره ابن عطية (٥ / ١٧٦)
(٦) قال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (٤ / ٧٥) : رواه الطبراني في «الأوسط» و «الصغير» وفيه عطية العوفي وهو ضعيف. ا ه.