وقوله : (إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي ...) الآية ، قالت فرقة : كان قوله هذا بعد خروجه من النّار ، وأنّه أشار بذهابه إلى هجرته من [أرض] (١) بابل ؛ حيث كانت مملكة نمرود ، فخرج إلى الشام ، وقالت فرقة : قال هذه المقالة قبل أن يطرح في النار ؛ وإنما أراد لقاء الله ؛ لأنّه ظنّ أنّ النار سيموت فيها ، وقال : (سَيَهْدِينِ) أي : إلى الجنّة ؛ نحا إلى هذا المعنى قتادة (٢) ، قال* ع (٣) * : وللعارفين بهذا الذّهاب تمسّك واحتجاج في الصفاء ، وهو محمل حسن في (إِنِّي ذاهِبٌ) وحده ، والتأويل الأول أظهر في نمط الآية ، بما يأتي بعد ؛ لأنّ الهداية معه تترتّب ، والدّعاء في الولد كذلك ، ولا يصحّ مع ذهاب الموت ، وباقي الآية تقدّم قصصها ، وأنّ الراجح أنّ الذّبيح هو إسماعيل ، وذكر الطبريّ (٤) أنّ ابن عبّاس قال : الذبيح ، إسماعيل (٥) ، وتزعم اليهود أنّه إسحاق ، وكذبت اليهود ، وذكر أيضا أنّ عمر بن عبد العزيز سأل عن ذلك رجلا يهوديّا كان أسلم وحسن إسلامه ، فقال : الذّبيح هو إسماعيل (٦) ، وإن اليهود لتعلم ذلك ، ولكنهم يحسدونكم معشر العرب : أن تكون هذه
__________________
ـ وإن كان الخالق لفعله هو الواحد القهار.
أما المنقول : قال الله تعالى : (جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) ، (لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ) [الصف : ٢] ، (وَعَمِلُوا الصَّالِحات) [البقرة : ٢٥].
فقضى سبحانه وتعالى على أننا نعمل ونفعل ، فالعبد مختار والله خالق ، وقال تعالى : (وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ) [الواقعة : ٢٠] فهذا يدل على أن للإنسان اختيارا ؛ لأن أهل الدنيا وأهل الجنة سواء ، في أن الله تبارك وتعالى خالق أعمال العباد جميعا.
ينظر : «أفعال العباد» لشيخنا عبد الرحمن إبراهيم ص : (٢) وما بعدها.
(١) سقط في : د.
(٢) ذكره ابن عطية في «تفسيره» (٤ / ٤٨٠)
(٣) ينظر : «المحرر الوجيز» (٤ / ٤٨٠)
(٤) ينظر : «تفسير الطبري» (١٠ / ٥١٣)
(٥) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٠ / ٥١٢) برقم : (٢٩٥٠٩) ، وذكره البغوي في «تفسيره» (٤ / ٣٢) ، وابن عطية في «تفسيره» (٤ / ٤٨١)
(٦) ذكره البغوي في «تفسيره» (٤ / ٣٢) ، وابن عطية في «تفسيره» (٤ / ٤٨١) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٥ / ٥٣٠) ، وعزاه لابن إسحاق ، عن محمّد بن كعب.
والحق أن الذبيح هو إسماعيل عليهالسلام ، وهو الذي يدل عليه ظواهر الآيات القرآنية ، فلا عجب إن ذهب إليه جمهرة الصحابة والتابعين ومن بعدهم وأئمة الحديث منهم السادة العلماء : علي ، وابن عمر ، وأبو هريرة ، وأبو الطفيل ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد ، والشعبي ، والحسن البصري ، ومحمّد بن كعب القرظي ، وسعيد بن المسيب ، وأبو جعفر محمّد الباقر ، وأبو صالح ، والربيع بن أنس ، والكلبي ، وأبو عمرو بن العلاء ، وأحمد بن حنبل ، وغيرهم وهو إحدى الروايتين عن ابن عبّاس وفي «زاد المعاد» لابن القيم : أنه الصواب عند علماء الصحابة والتابعين فمن بعدهم ، وهذا الرأي هو المشهور عند العرب ـ