(صُدُورِهِمْ) يعود على اليهود والمنافقين ، والضمير في قوله : (لا يُقاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً) لبني النضير وجميع اليهود ، هذا قول جماعة المفسرين ، ومعنى الآية : لا يبرزون لحربكم ، وإنّما / يقاتلون متحصنين بالقرى والجدران ؛ للرعب والرهب الكائن في قلوبهم.
وقوله تعالى : (بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ) أي : في غائلتهم وإحنهم (تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً) أي : مجتمعين (وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى) أي : متفرقة ؛ قال* ع (١) * : وهذه حال الجماعة المتخاذلة ، وهي المغلوبة أبدا في كلّ ما تحاول ، واللفظة مأخوذة من الشتات ، وهو التفرق ونحوه.
(كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيباً ذاقُوا وَبالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (١٥) كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ(١٦) فَكانَ عاقِبَتَهُما أَنَّهُما فِي النَّارِ خالِدَيْنِ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ)(١٧)
وقوله تعالى : (كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) قال ابن عبّاس (٢) : هم بنو قينقاع ، لأنّ النبي صلىاللهعليهوسلم أجلاهم عن المدينة قبل بني النضير ، والوبال : الشدّة والمكروه ، وعاقبة السوء والعذاب الأليم : هو في الآخرة.
وقوله سبحانه : (كَمَثَلِ الشَّيْطانِ) معناه : أنّ هاتين الفرقتين من المنافقين وبني النضير ، كمثل الشيطان مع الإنسان ؛ فالمنافقون مثلهم الشيطان ، وبنو النضير مثلهم الإنسان ، وذهب مجاهد وجمهور من المتأولين (٣) إلى أنّ الشيطان والإنسان في هذه الآية اسما جنس ، فكما أنّ الشيطان يغوي الإنسان ، ثم يفرّ عنه بعد أن يورّطه ؛ كذلك أغوى المنافقون بني النضير وحرّضوهم على الثبوت ، ووعدوهم النصر ، فلمّا نشب بنو النضير ، وكشفوا عن وجوههم ـ تركهم المنافقون في أسوأ حال ، وذهب قوم من رواة القصص إلى أنّ هذا في شيطان مخصوص مع عابد مخصوص ، اسمه «برصيصا» ، استودع امرأة جميلة ، وقيل : سيقت إليه ليشفيها بدعائه من الجنون ، فسوّل له الشيطان الوقوع عليها ، فحملت منه ، فخشي الفضيحة ، فسوّل له قتلها ودفنها ، ففعل ، ثم شهّره ، فلمّا استخرجت المرأة ،
__________________
(١) ينظر : «المحرر الوجيز» (٥ / ٢٩٠)
(٢) أخرجه الطبري (١٢ / ٤٦) ، برقم : (٣٣٩٠٠) ، وذكره البغوي (٤ / ٣٢٢) ، وابن عطية (٥ / ٢٩٠) ، وابن كثير (٤ / ٣٤٠)
(٣) أخرجه الطبري (١٢ / ٤٨) ، برقم : (٣٣٩٠٦) ، وابن عطية (٥ / ٢٩٠) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٢٩٧) ، وعزاه لعبد بن حميد.