وحمل العابد شرّ حمل ، / وصلب ـ جاءه الشيطان فقال له : اسجد لي سجدة وأنا أخلّصك ، فسجد له ، فقال له الشيطان : هذا الذي أردت منك أن كفرت بربك ، إنّي بريء منك ، فضرب الله تعالى هذا المثل ليهود بني النضير والمنافقين ، وهذا يحتاج إلى صحّة سند ، والتأويل الأول هو وجه الكلام.
* ت* : قال السهيلي : وقد ذكر هذه القصة هكذا القاضي إسماعيل وغيره من طريق سفيان عن عمرو بن دينار ، عن عروة بن عامر بن عبيد بن رفاعة الزّرقيّ ، عن النبي صلىاللهعليهوسلم : «أنّ راهبا كان في بني إسرائيل» (١) فذكر القصة بكمالها ، ويقال : إنّ اسم هذا الراهب «برصيصا» ، ولم يذكر اسمه القاضي إسماعيل ، انتهى ، قال* ع (٢) * : وقول الشيطان : (إِنِّي أَخافُ اللهَ) رياء من قوله ، وليست على ذلك عقيدته ، ولا يعرف الله حقّ معرفته ، ولا يحجزه خوفه عن سوء يوقع فيه ابن آدم من أول إلى آخر (فَكانَ عاقِبَتَهُما) يعني : الشيطان والإنسان على ما تقدم من حملها على الجنس أو الخصوص.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (١٨) وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (١٩) لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ)(٢٠)
وقوله سبحانه : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ ...) الآية : هذه آية وعظ وتذكير ، وتقريب للآخرة ، وتحذير ممّن لا تخفى عليه خافية ، وقوله تعالى : (لِغَدٍ) : يريد يوم القيامة ، والذين نسوا الله : هم الكفار ، والمعنى : تركوا الله وغفلوا عنه ، حتّى كانوا كالناسين ، فعاقبهم بأن [جعلهم] (٣) ينسون أنفسهم ، وهذا هو الجزاء على الذنب بالذنب ، قال سفيان (٤) : المعنى : حظّ أنفسهم ، ويعطي لفظ الآية أنّ من عرف نفسه ولم ينسها عرف ربّه تعالى ، وقد قال عليّ بن أبي طالب (٥) ، ـ رضي الله عنه ـ : اعرف نفسك تعرف ربك ، وروي عنه أيضا أنّه قال : من لم يعرف نفسه ، لم يعرف ربه.
(لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وَتِلْكَ الْأَمْثالُ
__________________
(١) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٢٩٦) ، وعزاه إلى ابن أبي الدنيا في «مكائد الشيطان» ، وابن مردويه ، والبيهقي في «شعب الإيمان».
(٢) ينظر : «المحرر الوجيز» (٥ / ٢٩٠)
(٣) سقط في : د.
(٤) أخرجه الطبري (١٢ / ٥٠) ، برقم : (٣٣٩١١) ، وابن عطية (٥ / ٢٩١)
(٥) ذكره ابن عطية (٥ / ٢٩١)