نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (٢١) هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ (٢٢) هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ (٢٣) هُوَ اللهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)(٢٤)
وقوله / سبحانه : (لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ ...) الآية : موعظة للإنسان ، وذمّ لأخلاقه وإعراضه وغفلته عن تدبّر كلام خالقه ، وإذا كان الجبل ، على عظمه وقوّته ، لو أنزل عليه القرآن وفهم منه ما فهمه الإنسان ، لخشع واستكان ، وتصدّع ، خشية لله تعالى ـ : فالإنسان على حقارته وضعفه أولى بذلك ، وضرب الله سبحانه هذا المثل ؛ ليتفكر فيه العاقل ، ويخشع ويلين قلبه.
وقوله سبحانه : (هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ) الآية : لما قال تعالى : (مِنْ خَشْيَةِ اللهِ) ، جاء بالأوصاف العليّة التي توجب لمخلوقاته هذه الخشية ، وقرأ الجمهور (١) : «القدّوس» ـ بضم القاف ـ ؛ من تقدّس إذا تطهّر وتنزّه.
وقوله : (السَّلامُ) أي : ذو السلام ؛ لأنّ الإيمان به وتوحيده وأفعاله هي لمن آمن سلام كلّها ، و (الْمُؤْمِنُ) : اسم فاعل من آمن بمعنى أمن من الأمن ، وقيل : معناه : المصدّق عباده المؤمنين ، و (الْمُهَيْمِنُ) : معناه : الحفيظ والأمين ؛ قاله ابن عبّاس (٢) ، و (الْجَبَّارُ) : هو الذي لا يدانيه شيء ، ولا تلحق رتبته ، قال الفخر (٣) : وفي اسمه تعالى : (الْجَبَّارُ) وجوه :
أحدها : أنّه فعّال ؛ من جبر إذا أغنى الفقير وجبر الكسير.
والثاني : أن يكون الجبار من جبره إذا أكرهه ؛ قال الأزهريّ : وهي لغة تميم ، وكثير من الحجازيين يقولونها بغير ألف في الإكراه ، وكان الشافعيّ رحمهالله يقول : جبره السلطان على كذا بغير ألف ، وجعل الفرّاء (الْجَبَّارُ) بهذا المعنى من أجبر بالألف ، وهي
__________________
(١) وقرأ بها أبو السمال بفتح القاف ، ورويت عن الكسائيّ. قال أبو الفتح : فعول في الصفة قليل ، وذكر سيبويه في الصفة السّبّوح ، والقدّوس.
ينظر : «المحتسب» (٢ / ٣١٧) ، و «مختصر الشواذ» ص : (١٥٥) ، وذكر ابن عطية في «المحرر الوجيز» (٥ / ٢٩٢) أنها رويت عن أبي ذر. وزاد أبو حيان (٨ / ٢٤٩) نسبتها إلى : أبي دينار الأعرابي.
(٢) أخرجه الطبري (١٢ / ٥٣) ، برقم : (٣٣٩٢٥) ، وذكره ابن عطية (٥ / ٢٩٢)
(٣) ينظر : «تفسير الفخر الرازي» (٢٩ / ٢٥٥)