بيّن ، وروي أنّ هذه الآيات لما نزلت ، وعزم المؤمنون على امتثالها ، وصرم حبال الكفرة ـ لحقهم تأسّف وهمّ من أجل قراباتهم ؛ إذ لم يؤمنوا ، ولم يهتدوا ، حتّى يكون بينهم التوادد والتواصل ، فنزلت : (عَسَى اللهُ ...) الآية : مؤنسة في ذلك ، ومرجية أن يقع ، فوقع ذلك بإسلامهم في الفتح ، وصار الجميع إخوانا ، وعسى من الله واجبة الوقوع.
* ت* : قد تقدم تحقيق القول في (عَسَى) في سورة القصص ، فأغنى عن إعادته.
(لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٨) إِنَّما يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٩) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا ذلِكُمْ حُكْمُ اللهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (١٠) وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْواجُهُمْ مِثْلَ ما أَنْفَقُوا وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ)(١١)
وقوله تعالى : (لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ ....) الآية : اختلف في هؤلاء الذين لم ينه عنهم أن يبرّوا ، فقيل : أراد المؤمنين التاركين للهجرة ، وقيل : خزاعة وقبائل من العرب ، كانوا مظاهرين للنبي صلىاللهعليهوسلم / ومحبّين لظهوره ، وقيل : أراد النساء والصبيان من الكفرة ، وقيل : أراد من كفّار قريش من لم يقاتل ولا أخرج ، ولم يظهر سوءا ؛ وعلى أنّها في الكفار فالآية منسوخة بالقتال ، والذين قاتلوا في الدين وأخرجوهم هم مردة قريش.
وقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ) الآية نزلت إثر صلح الحديبية ؛ وذلك أنّ ذلك الصلح تضمّن أنّ من أتى مسلما من أهل مكّة ، ردّ إليهم ، سواء كان رجلا أو امرأة ، فنقض الله تعالى من ذلك أمر النساء بهذه الآية ، وحكم بأنّ المهاجرة المؤمنة لا تردّ إلى دار الكفر ، و (فَامْتَحِنُوهُنَ) : معناه : جربوهن واستخبروا حقيقة ما عندهنّ.
وقوله تعالى : (اللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَ) إشارة إلى الاسترابة ببعضهنّ.
* ت* : وقوله تعالى : (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ ...) الآية : العلم هنا : بمعنى الظن ، وذكر الله تعالى العلّة في ألّا يردّ النساء إلى الكفّار وهو امتناع الوطء وحرمته.