أتباعا مؤمنين في وقت مكافحته نمرودا ، وفي البخاريّ : أنه قال لسارة حين رحل بها إلى الشام مهاجرا من بلد النمرود : ما على الأرض من يعبد الله غيري وغيرك ، وهذه الأسوة مقيّدة في التبري من المشركين وإشراكهم ، وهو مطّرد في كل ملّة ، وفي نبينا محمّد ـ عليهالسلام ـ أسوة حسنة على الإطلاق في العقائد وفي أحكام الشرع كلّها.
وقوله : (كَفَرْنا بِكُمْ) : أي : كذبناكم في عبادتكم الأصنام.
وقوله : (إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ) يعني : تأسوا بإبراهيم ، إلّا في استغفاره لأبيه ، فلا تتأسوا به فتستغفروا للمشركين ، لأنّ استغفاره إنّما كان عن موعدة وعدها / إيّاه ؛ وهذا تأويل قتادة ، ومجاهد ، وعطاء الخراسانيّ وغيرهم (١).
وقوله : (رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا) إلى قوله : (إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) هو حكاية عن قول إبراهيم والذين معه ، وهذه الألفاظ بيّنة ممّا تقدم في آي القرآن.
وقوله : (رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً) قيل : المعنى : لا تغلبهم علينا ، فنكون لهم فتنة وسبب ضلالة ؛ نحا هذا المنحى قتادة وأبو مجلز (٢) ، وقد تقدم مستوفى في سورة يونس ، وقال ابن عبّاس (٣) : المعنى : لا تسلّطهم علينا فيفتنونا عن أدياننا ، فكأنّه قال : لا تجعلنا مفتونين ، فعبّر عن ذلك بالمصدر ، وهذا أرجح الأقوال ؛ لأنّهم إنّما دعوا لأنفسهم ، وعلى منحى قتادة : إنما دعوا للكفار ، أمّا أنّ مقصدهم إنما هو أن يندفع عنهم ظهور الكفّار الذي بسببه فتن الكفّار ، فجاء في المعنى تحليق بليغ.
(لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (٦) عَسَى اللهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللهُ قَدِيرٌ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(٧)
وقوله تعالى : (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِيهِمْ) (٤) أي : في إبراهيم والذين معه ، وباقي الآية
__________________
(١) أخرجه الطبري (١٢ / ٦٠) عن مجاهد برقم : (٣٣٩٤١) وعن قتادة برقم : (٣٣٩٤٣) ، وذكره ابن عطية (٥ / ٢٩٥) ، وابن كثير في «تفسيره» (٤ / ٣٤٨) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٣٠٤) ، وعزاه لعبد بن حميد.
(٢) أخرجه الطبري (١٢ / ٦١) ، برقم : (٣٣٩٤٧) ، وذكره ابن عطية (٥ / ٢٩٦) ، وابن كثير في «تفسيره» (٤ / ٣٤٨) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٣٠٤) ، وعزاه لعبد بن حميد.
(٣) أخرجه الطبري (١٢ / ٦١) ، برقم : (٣٣٩٤٨) ، وذكره ابن عطية (٥ / ٢٩٦) ، وابن كثير في «تفسيره» (٤ / ٣٤٨) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٣٠٤) ، وعزاه لابن المنذر ، والحاكم وصححه.
(٤) سقط في : د.