فقال : (إِنْ يَثْقَفُوكُمْ) أي : إن يتمكنوا منكم وتحصلوا في ثقافهم ظهرت عداوتهم ، وانبسطت إليكم أيديهم بضرركم وقتلكم ، وانبسطت ألسنتهم بسبّكم ، وأشدّ من هذا كله إنّما يقنعهم أن تكفروا ، وهذا هو ودهم ، ثم أخبر تعالى أنّ هذه الأرحام التي رغبتم في وصلها ، ليست بنافعة يوم القيامة ، فالعامل في (يَوْمَ) قوله (تَنْفَعَكُمْ) ، وقيل : العامل فيه (يَفْصِلُ) وهو ممّا بعده لا ممّا قبله ، وعبارة الثعلبيّ (لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ) أي : قرابتكم منهم (وَلا أَوْلادُكُمْ) : الذين عندهم بمكة (يَوْمَ الْقِيامَةِ) : إذا عصيتم الله من أجلهم (يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ) : فيدخل المؤمنون الجنة ، والكافرون النار ، انتهى.
* ت* : وهذه الآية تنظر إلى قوله تعالى : (وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى ...) [سبأ : ٣٧] الآية : واعلم أنّ المال والسبب النافع يوم القيامة ، ما كان لله وقصد به العون على طاعة الله ، وإلّا فهو على صاحبه وبال وطول حساب ، قال ابن المبارك في «رقائقه» : أخبرنا شعبة ، عن عمرو بن مرة قال : سمعت عبد الله بن الحارث يحدّث عن أبي كثير ، عن عبد الله بن عمرو بن / العاصي أنّه سمعه يقول : ويجمعون ـ يعني ليوم القيامة ـ فيقال : أين فقراء هذه الأمة ومساكينها؟ فيبرزون ، فيقال : ما عندكم؟ فيقولون : يا ربّنا ، ابتلينا فصبرنا ، وأنت أعلم ، أحسبه ، قال : ووليت الأموال والسلطان غيرنا ، فيقال : صدقتم ، فيدخلون الجنة قبل سائر الناس بزمان ، وتبقى شدّة الحساب على ذوي السلطان والأموال ، قال : قلت : فأين المؤمنون يومئذ؟ قال : توضع لهم كراسيّ من نور ، ويظلّل عليهم الغمام ، ويكون ذلك اليوم أقصر عليهم من ساعة من نهار ، انتهى ، وفي قوله تعالى : (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) : وعيد وتحذير.
(قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ كَفَرْنا بِكُمْ وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ إِلاَّ قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا وَإِلَيْكَ أَنَبْنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (٤) رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنا رَبَّنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)(٥)
وقوله تعالى : (قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ) أي : قدوة (فِي إِبْراهِيمَ) : الخليل (وَالَّذِينَ مَعَهُ) : قيل : من آمن به من الناس ، وقال الطبريّ وغيره (١) : (الَّذِينَ مَعَهُ) : هم الأنبياء المعاصرون له أو قريبا من عصره ، قال* ع (٢) * : وهذا أرجح ؛ لأنّه لم يرو أنّ لإبراهيم
__________________
(١) ينظر : «تفسير الطبري» (١٢ / ٥٩)
(٢) ينظر : «المحرر الوجيز» (٥ / ٢٩٥)