مختصر رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه ، واللفظ لأبي داود ، وقال الترمذي : هذا حديث صحيح انتهى من «السلاح» ، ثمّ ذكر تعالى مقالة موسى ، وذلك ضرب مثل للمؤمنين ؛ ليحذروا ما وقع فيه هؤلاء من العصيان وقول الباطل.
وقوله : (لِمَ تُؤْذُونَنِي) أي : بتعنيتكم وعصيانكم واقتراحاتكم ، وأسند الزيغ إليهم ؛ لكونه فعل حطيطة ، وهذا بخلاف قوله تعالى : (ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا) [التوبة : ١١٨] فأسند التّوبة إليه سبحانه ؛ لكونها فعل رفعة ، و «زاغ» معناه مال وصار عرفها في الميل عن الحق ، و (أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) معناه طبع عليها وكثر ميلها عن الحقّ ؛ وهذه هي العقوبة على الذّنب بالذّنب.
وقوله : (وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ) قال عياض في «الشفا» : سمّى الله تعالى نبيّه في كتابه محمّدا وأحمد ؛ فأما اسمه أحمد ، ف «أفعل» مبالغة من صفة الحمد ، ومحمّد «مفعّل» من كثرة الحمد ، وسمى أمّته في كتب أنبيائه بالحمّادين ؛ ثم في هذين الاسمين من عجائب خصائصه سبحانه وبدائع آياته ؛ أنه سبحانه حمى أن يتسمّى بهما أحد قبل زمانه ، أما أحمد الذي أتى في الكتب وبشّرت به الأنبياء ؛ فمنع سبحانه أن يتسمّى به أحد غيره ؛ حتى لا يدخل بذلك لبس على ضعيف القلب ؛ وكذلك محمّد أيضا لم يتسمّ به أحد من العرب ولا غيرهم إلى أن شاع قبيل وجوده صلىاللهعليهوسلم وميلاده أنّ نبيّا يبعث اسمه محمّد ؛ فسمّى قوم قليل من العرب أبناءهم بذلك ؛ رجاء أن يكون أحدهم هو ، وهم محمّد بن أحيحة الأوسي ، ومحمّد بن مسلمة الأنصاري ، ومحمّد بن براء البكري ، ومحمّد بن سفيان باليمن ، ويقولون : بل محمّد بن اليحمد من الأزد ، ومحمّد بن سوادة منهم ؛ لا سابع لهم ، ولم يدّع أحد من هؤلاء النبوّة أو يظهر عليه سبب يشكّك الناس ، انتهى ، وروى أنس بن مالك عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنّه قال : «لا تسمّوا أولادكم محمّدا ثمّ تلعنونهم» (١) ، رواه الحاكم / في «المستدرك» ، انتهى من «السلاح».
وقوله سبحانه : (فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْبَيِّناتِ ...) الآية : يحتمل أن يريد «عيسى» ويحتمل
__________________
ـ قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح.
وقال الحاكم : هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ، وله إسناد صحيح على شرط الشيخين مختصرا.
وفي الباب : شاهد عن عمرو بن عنبسة ، أخرجه أحمد (٤ / ٣٨٧) ، (٦ / ٤٤٣ ـ ٤٤٤) عن أبي الدرداء.
(١) ذكره الهيثمي في «المجمع» (٨ / ٥١) ، وقال : رواه أبو يعلى ، والبزار ، وفيه الحكم بن عطية ، وثقه ابن معين ، وضعفه غيره ، وبقية رجاله رجال «الصحيح».