تنطق بنبوته ، فكان كلّ حبر لم ينتفع بما حمّل كمثل حمار عليه أسفار ، وفي مصحف ابن مسعود (١) «كمثل حمار» بغير تعريف ، والسّفر الكتاب المجتمع الأوراق منضدة.
وقوله : (بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ) التقدير : بئس المثل مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله ، ـ ص ـ : وردّ بأنّ فيه حذف الفاعل ولا يجوز ، والظاهر أنّ (مَثَلُ الْقَوْمِ) فاعل (بِئْسَ) ، و (الَّذِينَ كَذَّبُوا) هو المخصوص بالذّمّ على حذف مضاف ؛ أي : مثل الذين كذّبوا ، انتهى.
(قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٦) وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (٧) قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)(٨)
وقوله سبحانه : (قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ ...) الآية ، روي أنها نزلت بسبب أنّ يهود المدينة لمّا ظهر رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، خاطبوا يهود خيبر في أمره ، وذكروا لهم نبوّته ، وقالوا إن رأيتم اتّباعه أطعناكم وإن رأيتم خلافه خالفناه معكم ، فجاءهم جواب أهل خيبر يقولون : نحن أبناء إبراهيم خليل الرحمن ؛ وأبناء عزير بن الله ومنا الأنبياء ، ومتى كانت النبوة في العرب؟ ، نحن أحقّ بالنبوة من محمّد ، ولا سبيل إلى اتباعه ، فنزلت الآية بمعنى : أنكم إذا كنتم من الله بهذه المنزلة فقربه وفراق هذه الحياة الخسيسة أحبّ إليكم ، فتمنّوا الموت إن كنتم تعتقدون في أنفسكم هذه المنزلة ، ثم أخبر تعالى أنهم لا يتمنونه أبدا لعلمهم بسوء حالهم ، وروى كثير من المفسرين أن الله ـ جلّت قدرته ـ جعل هذه الآية معجزة لمحمّد نبيّه صلىاللهعليهوسلم فيهم ، فهي آية باهرة ؛ وأعلمه أنه إن تمنى أحد منهم الموت في أيام معدودات مات وفارق الدنيا ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم تمنّوا الموت ، على جهة التعجيز وإظهار الآية ، فما تمنّاه أحد منهم خوفا / من الموت وثقة بصدق نبيّنا محمّد صلىاللهعليهوسلم.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٩) فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (١٠) وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً قُلْ ما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ مِنَ اللهْوِ وَمِنَ التِّجارَةِ وَاللهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)(١١)
وقوله سبحانه : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ) الآية ، النداء : الأذان ، وكان على الجدار في مسجد رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وفي «مصنف أبي داود» : كان بين يدي النبيّ صلىاللهعليهوسلم
__________________
(١) ينظر : «مختصر الشواذ» ص : (١٥٦) ، و «المحرر الوجيز» (٥ / ٣٠٧) ، و «البحر المحيط» (٨ / ٢٦٣) ، و «الدر المصون» (٦ / ٣١٦)