يكتفي في الشهر بمرة لحاجته إلى كثرة التّرديد والتأمّل ، انتهى ، وروى ابن المبارك في «رقائقه» : قال : حدثنا إسماعيل عن أبي المتوكّل الناجي : «أنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم قام ذات ليلة بآية من القرآن يكرّرها على نفسه» (١) ، انتهى.
(إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً (٥) إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً (٦) إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلاً (٧) وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً (٨) رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً (٩) وَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً)(١٠)
وقوله تعالى : (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً) يعني القرآن ، واختلف لم سمّاه ثقيلا ، فقال جماعة من المفسرين : لما كان يحلّ برسول الله صلىاللهعليهوسلم من ثقل الجسم ؛ حتّى إنّه كان إذا أوحي إليه وهو على ناقته ؛ بركت به وحتّى كادت فخذه أن ترضّ (٢) فخذ زيد بن ثابت ـ رضي الله عنه ـ ، وقيل : لثقله على الكفار والمنافقين بإعجازه ووعده ووعيده ونحو ذلك ، وقال حذّاق العلماء : معناه : ثقيل المعاني من الأمر بالطاعات ، والتكاليف الشرعية من الجهاد ، ومزاولة الأعمال الصالحات دائما ، قال الحسن : إنّ الهذّ خفيف ولكنّ العمل ثقيل (٣) * ت* : والصواب عندي أن يقال : أما ثقله باعتبار النبي صلىاللهعليهوسلم ، فهو ما كان يجده* ع* من الثقل المحسوس وأما ثقله باعتبار سائر الأمة فهو ما ذكر من ثقل المعاني ، وقد زجر مالك سائلا سأله عن مسألة وقال : يا أبا عبد الله ؛ إنها مسألة خفيفة ؛ فغضب مالك وقال : ليس في العلم خفيف أما سمعت قول الله تعالى : (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً) فالعلم كلّه ثقيل ، انتهى من «المدارك» لعياض.
وقوله سبحانه : (إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ) قال ابن جبير وغيره : هي لفظة حبشيّة ؛ نشأ الرجل إذا قام من الليل (٤) ف (ناشِئَةَ) على هذا جمع ناشىء أي : قائم ، و (أَشَدُّ وَطْئاً) معناه : ثبوتا واستقلالا بالقيام ، وقرأ أبو عمرو وابن عامر وجماعة كابن عبّاس وابن الزبير
__________________
(١) أخرجه ابن المبارك في «الزهد» ص : (٣٥) ، رقم : (١٠٤)
(٢) الرّضّ : الدّقّ الجريش. ينظر : «النهاية» (٢ / ٢٢٩)
(٣) أخرجه الطبري (١٢ / ٢٨١) ، رقم : (٣٥١٩٠) بنحوه ، والبغوي (٤ / ٤٠٨) بنحوه ، وابن عطية (٥ / ٣٨٧) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٤٤٣) ، وعزاه لعبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن نصر.
(٤) أخرجه الطبري (١٢ / ٢٨٢) ، رقم : (٣٥١٩٦) بنحوه عن ابن جبير عن ابن عبّاس. وذكره البغوي (٤ / ٤٠٨) ، وابن عطية (٥ / ٣٨٧) ، وابن كثير (٤ / ٤٣٥) ،