وغيرهم (١) : «وطاء» ـ بكسر الواو ـ ممدودا على وزن «فعال» على معنى المواطأة والموافقة ، وهو أن يواطىء قلبه لسانه ، والمواطأة هي الموافقة ، فهذه مواطأة صحيحة ؛ لخلو البال من أشغال النهار ، وبهذا المعنى فسّر اللفظ مجاهد (٢) وغيره ، قال الثعلبيّ : واختار هذه القراءة أبو عبيد وقال جماعة : (ناشِئَةَ اللَّيْلِ) ساعاته كلّها ، لأنّها تنشأ شيئا بعد شيء ، وقيل في تفسير (ناشِئَةَ اللَّيْلِ) غير هذا ، وقرأ أنس بن مالك «وأصوب قيلا» فقيل له : إنما هو (أَقْوَمُ) فقال : أقوم وأصوب واحد.
وقوله تعالى : (إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلاً) أي : تصرّفا وتردّدا في أمورك ، ومنه السّباحة في الماء ، (وَتَبَتَّلْ) معناه : انقطع إليه انقطاعا ؛ هذا لفظ ابن عطاء على ما نقله الثعلبي ، انتهى ، وأما* ع (٣) * فقال : معناه انقطع من كلّ شيء إلا منه وأفزع إليه ، قال زيد بن أسلم : التبتّل : رفض الدّنيا (٤) ، ومنه بتل الحبل ، و (تَبْتِيلاً) مصدر على غير الصّدر ، قال أبو حيان (٥) : وحسنه كونه فاصلة ، انتهى ، قال ابن العربي في «أحكامه» : فالتبتّل المأمور به في الآية الانقطاع إلى الله تعالى بإخلاص العبادة ، وهو اختيار البخاريّ ، والتبتّل المنهي عنه في الحديث هو سلوك مسلك النصارى في ترك النكاح والتّرهب في الصوامع ، انتهى ، والوكيل القائم بالأمر الذي توكل إليه الأشياء.
وقوله : (وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً) منسوخ بآية السيف.
(وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً (١١) إِنَّ لَدَيْنا أَنْكالاً وَجَحِيماً (١٢) وَطَعاماً ذا غُصَّةٍ وَعَذاباً أَلِيماً (١٣) يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ وَكانَتِ الْجِبالُ كَثِيباً مَهِيلاً)(١٤)
وقوله سبحانه : (وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ) الآية ، وعيد بيّن ، والمعنى لا تشغل بهم فكرك وكلهم إليّ ، والنعمة : غضارة العيش وكثرة المال والمشار إليهم كفار قريش أصحاب / القليب ببدر ، و (لَدَيْنا) بمنزلة «عندنا» والأنكال : جمع نكل ، وهو القيد
__________________
(١) ينظر : «السبعة» (٦٥٨) ، و «الحجة» (٦ / ٣٣٥) ، و «إعراب القراءات» (٢ / ٤٠٥) ، و «حجة القراءات» (٧٣٠) ، و «معاني القراءات» (٣ / ٩٩) ، و «شرح الطيبة» (٦ / ٧٧) ، و «العنوان» (١٩٩) ، و «شرح شعلة» (٦١١) ، و «إتحاف» (٢ / ٥٦٨)
(٢) أخرجه الطبري (١٢ / ٢٨٤) ، رقم : (٣٥٢١٩ ، ٣٥٢٢٠ ، ٣٥٢٢١) ، وذكره ابن عطية (٥ / ٣٨٨) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٤٤٥) ، وعزاه لعبد بن حميد.
(٣) ينظر : «المحرر الوجيز» (٥ / ٣٨٨)
(٤) ينظر : ابن عطية (٥ / ٣٨٨)
(٥) ينظر : «البحر المحيط» (٨ / ٣٥٥)