ومرة أدنى من النصف ، ومرة أدنى من الثلث ، وذلك لعدم تحصيل البشر لمقادير الزمان ، مع عذر النوم ، وتقدير الزمان حقيقة إنما هو لله تعالى ، وأما البشر فلا يحصي ذلك ، فتاب الله عليهم ، أي : رجع بهم من الثّقل إلى الخفّة وأمرهم بقراءة ما تيسّر ، ونحو هذا تعطي عبارة الفراء ، ومنذر فإنهما قالا : تحصوه تحفظوه ، وهذا التأويل هو على قراءة الخفض عطفا على الثلثين وهي قراءة أبي عمرو ونافع وابن عامر ، وأمّا من قرأ : «ونصفه وثلثه» بالنّصب عطفا على أدنى وهي قراءة باقي السبعة (١) ، فالمعنى عندهم أنّ الله تعالى قد علم أنهم يقدرون الزمان على نحو ما أمر به تعالى ، في قوله : (نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً* أَوْ زِدْ عَلَيْهِ) [المزمل : ٣ ـ ٤] فلم يبق إلا قوله : (أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ) فمعناه لن يطيقوا قيامه / لكثرته وشدته ، فخفّف الله عنهم فضلا منه ؛ لا لعلّة جهلهم بالتقدير وإحصاء الأوقات ، ونحو هذا تعطي عبارة الحسن وابن جبير ؛ فإنهما قالا : تحصوه : تطيقوه (٢) ، وعبارة الثعلبيّ : ومن قرأ بالنّصب ؛ فالمعنى : وتقوم نصفه وثلثه ، قال الفراء : وهو الأشبه بالصّواب ؛ لأنه قال أقلّ من الثلثين ، ثم ذكر تفسير القلة لا تفسير أقلّ من القلة ، انتهى ، ولو عبّر الفرّاء بالأرجح ، لكان أحسن أدبا ، وعن عبادة بن الصامت عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «من تعارّ من اللّيل ، فقال : لا إله لا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد ، وهو على كلّ شيء قدير ، الحمد لله وسبحانه الله ولا إله إلّا الله والله أكبر ولا حول ولا قوّة إلّا بالله» (٣) ثم قال : «اللهمّ ، اغفر لي ، أو دعا ، استجيب له ، فإن توضّأ ، ثمّ صلّى قبلت صلاته» ، رواه الجماعة إلا مسلما ، وتعارّ ـ بتشديد الراء ـ معناه : استيقظ ، انتهى من «السلاح».
وقوله تعالى : (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) قال الثعلبيّ أي : ما خفّ وسهل بغير مقدار من القراءة ، والمدّة ، وقيل : المعنى فصلّوا ما تيسّر فعبّر بالقراءة عنها.* ت* : وهذا هو الأصحّ عند ابن العربي ، انتهى ، قال* ع (٤) * : قوله : (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ
__________________
(١) ينظر : «الحجة» (٦ / ٣٣٦) ، و «إعراب القراآت» (٢ / ٤٠٧) ، و «معاني القراآت» (٢ / ١٠٠) ، و «شرح الطيبة» (٦ / ٧٧) ، و «العنوان» (١٩٩) ، و «حجة القراآت» (٧٣١) ، و «شرح شعلة» (٦١٢) ، و «إتحاف» (٢ / ٥٦٩)
(٢) أخرجه الطبري (١٢ / ٢٩٣ ـ ٢٩٤) ، رقم : (٣٥٢٩٢ ـ ٣٥٢٩٣) ، عن الحسن ، ورقم (٣٥٢٩٤) عن سعيد ، وذكره البغوي (٤ / ٤١١) ، وابن عطية (٥ / ٣٩٠) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٤٤٨) ، وعزاه لعبد بن حميد ، وابن المنذر.
(٣) في د : بالله العلي العظيم.
(٤) ينظر : «المحرر الوجيز» (٥ / ٣٩٠)