(وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً) قال سفيان : المعنى بسطت له العيش بسطا (١).
(كَلاَّ إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً (١٦) سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً (١٧) إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (١٨) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (١٩) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (٢٠) ثُمَّ نَظَرَ (٢١) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (٢٢) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (٢٣) فَقالَ إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ (٢٤) إِنْ هذا إِلاَّ قَوْلُ الْبَشَرِ (٢٥) سَأُصْلِيهِ سَقَرَ(٢٦) وَما أَدْراكَ ما سَقَرُ (٢٧) لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ)(٢٨)
وقوله تعالى : (كَلَّا) ردع وزجر له على أمنيّته ، و (سَأُرْهِقُهُ) معناه أكلّفه بمشقة وعسر ، وصعود عقبة في نار جهنّم ، روى ذلك أبو سعيد الخدري عن النبي صلىاللهعليهوسلم : كلّما وضع عليها شيء من الإنسان ذاب ، ثم يعود ، والصعود في اللغة : العقبة الشاقة.
وقوله تعالى مخبرا عن الوليد : (إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ) الآية ، روى جمهور من المفسرين : أن الوليد سمع من القرآن ما أعجبه ومدحه ، ثم سمع كذلك مرارا ، حتى كاد أن يقارب الإسلام ، وقال : والله لقد سمعت من محمّد كلاما ما هو من كلام الإنس ، ولا هو من كلام الجنّ ، إنّ له الحلاوة ، وإنّ عليه لطلاوة ، وإنّ أعلاه لمثمر ، وإنّ أسفله لمغدق ، وإنّه يعلو ، وما يعلى ، فقالت قريش : صبأ الوليد والله لتصبأنّ قريش ، فقال أبو جهل : أنا أكفيكموه فحاجّه أبو جهل وجماعة حتى غضب الوليد ، وقال : تزعمون أنّ محمّدا مجنون ، فهل رأيتموه يخنق قط؟ قالوا : لا ، قال : تزعمون أنه شاعر ، فهل رأيتموه ينطق بشعر قط؟ قالوا : لا ، قال : تزعمون أنّه كاهن ، فهل رأيتموه يتكهن قط؟ قالوا ؛ لا ، قال : تزعمون أنّه كذاب ، فهل جرّبتم عليه شيئا من الكذب قط؟ قالوا : لا ، وكانوا يسمّونه قبل النبوة الأمين لصدقه ، فقالت قريش : ما عندك فيه؟ فتفكّر في نفسه ، فقال : ما أرى فيه شيئا مما ذكرتموه فقالوا : هو ساحر ، فقال : أما هذا فيشبه ، / وألفاظ الرواة هنا متقاربة المعاني من رواية الزهري وغيره.
وقوله تعالى : (فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ) قال الثعلبيّ وغيره : (قُتِلَ) معناه : لعن ، انتهى.
(وَبَسَرَ) أي قطب ما بين عينيه واربدّ وجهه ثم أدبر عن الهدى بعد أن أقبل إليه ، وقال : (إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ) أي : يروى ، أي : يرويه محمّد عن غيره.
و (سَقَرُ) هي الدّرك السادس من النار ، (لا تُبْقِي) على من ألقي فيها (وَلا تَذَرُ) غاية من العذاب إلا وصّلته إليه.
(لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ (٢٩) عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ (٣٠) وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلاَّ
__________________
(١) أخرجه الطبري (١٢ / ٣٠٧) ، رقم : (٣٥٤٠٥) ، وذكره ابن عطية (٥ / ٣٩٤)