وقوله سبحانه : (عَيْناً فِيها تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً) «عينا» بدل من «كأس» أو من «عين» على القول الثاني ، و (سَلْسَبِيلاً) قيل : هو اسم بمعنى / السّلس المنقاد الجرية ، وقال مجاهد : حديدة الجرية (١) ، وقال آخرون : (سَلْسَبِيلاً) صفة لقوله : (عَيْناً) و (تُسَمَّى) بمعنى توصف وتشهر ، وكونه مصروفا مما يؤكد كونه صفة للعين لا اسما.
وقوله تعالى : (حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً) قال الإمام الفخر (٢) : وفي كيفية التشبيه وجوه :
أحدها : أنّهم شبّهوا في حسنهم ، وصفاء ألوانهم ، وانبثاثهم في مجالسهم ومنازلهم في أنواع الخدمة ـ باللؤلؤ المنثور ، ولو كانوا صفّا لشبّهوا باللؤلؤ المنظوم ؛ ألا ترى أنّه تعالى قال : (وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ) فإذا كانوا يطوفون كانوا متناثرين.
الثاني : أنّ هذا من التشبيه العجيب ؛ لأنّ اللؤلؤ إذا كان متفرقا يكون أحسن في المنظر ؛ لوقوع شعاع بعضه على بعض.
الثالث : أنّهم شبّهوا باللؤلؤ الرطب إذا نثر من صدفه ؛ لأنّه أحسن وأجمل ، انتهى.
(وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً (٢٠) عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ وَسَقاهُمْ رَبُّهُمْ شَراباً طَهُوراً (٢١) إِنَّ هذا كانَ لَكُمْ جَزاءً وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً)(٢٢)
وقوله تعالى : (وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَ) قال الفرّاء : التقدير : وإذا رأيت ما ثمّ رأيت نعيما ، فحذفت «ما» وكرّرت الرؤية ؛ مبالغة (وَمُلْكاً كَبِيراً) : وهو أنّ أدناهم منزلة ينظر في ملكه مسيرة ألف عام ، يرى أقصاه كما يرى أدناه ، وخرّجه الترمذيّ ، وفي الترمذيّ أيضا من رواية أبي سعيد الخدريّ قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أدنى أهل الجنّة الّذي له ثمانون ألف خادم واثنتان وسبعون زوجة ، وتنصب له قبّة من لؤلؤ وزبرجد وياقوت كما بين الجابية إلى صنعاء» (٣) انتهى ، وقال سفيان : الملك الكبير هو استئذان الملائكة ، وتسليمهم عليهم ،
__________________
(١) أخرجه الطبري (١٢ / ٣٦٨) ، رقم : (٣٥٨٤٣ ـ ٣٥٨٤٤ ، ٣٥٨٤٦) ، وذكره البغوي (٤ / ٤٣٠) ، وابن عطية (٥ / ٤١٣) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٤٨٨) ، وعزاه لعبد الرزاق وسعيد بن منصور ، وهناد ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، والبيهقي عن مجاهد.
(٢) ينظر : «الفخر الرازي» (٣٠ / ٢٢٢)
(٣) أخرجه الترمذي (٤ / ٦٩٥) ، كتاب «صفة الجنة» باب : ما جاء ما لأدنى أهل الجنة من الكرامة (٢٥٦٢).
قال أبو عيسى : هذا حديث غريب ، لا نعرفه إلا من حديث رشدين.