بالعبرة والنظر إلى طعامه والدليل فيه وكيف يسّره له بهذه الوسائط ، والحبّ جمع حبّة ـ بفتح الحاء ـ ، وهو كلّ ما يتخذه الناس ويربونه ، والحبّة : بكسر الحاء كلّ ما ينبت من البزور لا يحفل به ، ولا هو بمتّخذ ، والقضب قيل هي الفصفصة وهذا عندي ضعيف ؛ لأن الفصفصة للبهائم وهي داخلة في الأبّ ؛ والذي أقول به أن القضب هنا هو كلّ ما يقضب ليأكله ابن آدم غضّا من النبات كالبقول والهليون ونحوه ؛ فإنّه من المطعوم جزء عظيم ولا ذكر له في الآية إلّا في هذه اللفظة ، والحديقة : الشجر الذي قد أحدق بجدار ونحوه ، والغلب : الغلاظ الناعمة ، والأبّ المرعى والكلأ ؛ قاله ابن عبّاس وغيره (١) ، وقد توقّف في تفسيره أبو بكر وعمر ـ رضي الله عنهما (٢) ـ و (مَتاعاً) : نصب على المصدر ، والمعنى : تتمتّعون به أنتم وأنعامكم ؛ فابن آدم في السّبعة المذكورة ، والأنعام في الأبّ ، و (الصَّاخَّةُ) : اسم من أسماء يوم / القيامة. ـ ص ـ : قال الخليل : الصاخّة صيحة تصخّ الآذان صخّا ، أي : تصمّها لشدة وقعتها ، انتهى.
(يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (٣٤) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ (٣٥) وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ (٣٦) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ (٣٧) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ (٣٨) ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ (٣٩) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ (٤٠) تَرْهَقُها قَتَرَةٌ (٤١) أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ)(٤٢)
وقوله تعالى : (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ) الآية ، قال جمهور الناس : إنما ذلك لشدة الهول كلّ يقول نفسي نفسي ، وقيل : فرارهم خوفا من المطالبات ، (لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ) عن اللقاء مع غيره ، ثم ذكر تعالى اختلاف الوجوه من المؤمنين الواثقين برحمة الله ؛ حين بدت لهم تباشيرها ، ومن الكفار حين علاها قترها ، و (مُسْفِرَةٌ) معناه : نيّرة باد ضوءها وسرورها ، والغبرة التي على الكفرة : هي من العبوس كما يرى على وجه المهموم والميّت والمريض شبه الغبار ، ـ ص ـ : والقتر سواد كالدّخان ، قال أبو عبيدة : هو الغبار ، انتهى ، ثم فسّر سبحانه أصحاب هذه الوجوه المغبرّة بأنهم (الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ).
__________________
(١) أخرجه الطبري (١٢ / ٤٥٢) (٣٦٣٧٥) ، وذكره ابن كثير (٤ / ٤٧٣) ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٥٢١) ، وعزاه للعوفي عن ابن عبّاس.
(٢) أخرجه الطبري (١٢ / ٤٥١) ، رقم : (٣٦٣٦٧) ، وذكره البغوي (٤ / ٤٤٩) ، وابن عطية (٥ / ٤٣٩) ، وابن كثير (٤ / ٤٧٣)