(بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ) ، دون سائر أسمائه تعالى وصفاته ، كأنه لقّنه جوابه ؛ حتى يقول : غرّني كرمك ، انتهى ، وقرأ الجمهور : «فعدّلك» وكان النبي صلىاللهعليهوسلم إذا نظر إلى الهلال ؛ قال : «آمنت بالذي خلقك فسوّاك فعدلك» وقرأ حمزة والكسائيّ وعاصم بتخفيف الدال (١) ، والمعنى عدّل أعضاءك بعضها ببعض ، أي : وازن بينها.
(فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ (٨) كَلاَّ بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ (٩) وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ (١٠) كِراماً كاتِبِينَ (١١) يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ (١٢) إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ (١٣) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ) (١٤)
وقوله تعالى : (فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ) ذهب الجمهور إلى أن «في» متعلّقة ب «ركّبك» ، أي : في صورة حسنة أو قبيحة ، أو سليمة ، أو مشوهة ، ونحو هذا ، و «ما» في قوله : (ما شاءَ رَكَّبَكَ) زائدة فيها معنى التأكيد ، قال أبو حيان (٢) : (كَلَّا) ردع وزجر ، انتهى ، والدّين هنا يحتمل أن يريد الشرع ، ويحتمل أن يريد الجزاء والحساب ، وباقي الآية واضح لمتأمّله.
(يَصْلَوْنَها يَوْمَ الدِّينِ (١٥) وَما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ (١٦) وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ (١٧) ثُمَّ ما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ (١٨) يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ)(١٩)
وقوله تعالى : (يَصْلَوْنَها يَوْمَ الدِّينِ) أي : يوم الجزاء.
وقوله تعالى : (وَما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ) [قال جماعة : معناه : ما هم عنها بغائبين] (٣)
__________________
(١) قال الفراء : وجهه ـ والله أعلم ـ فصرفك إلى أي صورة شاء ، إما حسن أو قبيح ، أو طويل أو قصير. وعن أبي نجيح قال : (في صورة أب أو في صورة عمّ). وليست في من صلة «عدلك» لأنك لا تقول : (عدلتك في كذا) ، إنما تقول : (عدلتك إلى كذا) أي : صرفتك إليه ؛ وإنما هي متعلقة ب «ركّبك». كأن المعنى : (في أي صورة شاء أن يركّبك).
وقال آخرون : (فعدلك : فسوّى خلقك). قال محمّد بن يزيد (المبرد) : فعدلك أي : قصد بك إلى الصورة المستوية ومنه العدل الذي هو الإنصاف ، أي : هو قصد إلى الاستواء. فقولك : (عدل الله فلانا) أي : سوّى خلقه. فإن قيل : فأين الباء التي تصحب القصد حتى يصح ما تقول؟ قلت : إن العرب قد تحذف حروف الجر ، قال الله عزوجل : «وإذا كالوهم أو وزنوهم» فحذف اللامين ، فكذلك «فعدلك» بمعنى : فعدل بك.
ينظر : «حجة القراءات» (٧٥٢ ـ ٧٥٣) ، و «السبعة» (٦٧٤) ، و «حجة القراءات» (٦ / ٣٨٢) ، و «إعراب القراءات» (٢ / ٤٤٨) ، و «معاني القراءات» (٣ / ١٢٦) ، و «شرح الطيبة» (٦ / ١٠٣) ، و «العنوان» (٢٠٤) ، و «شرح شعلة» (٦٢٠) ، و «إتحاف» (٢ / ٥٩٤)
(٢) ينظر : «البحر المحيط» (٨ / ٤٢٨)
(٣) سقط في : د.