وقوله تعالى : (وَجاءَ رَبُّكَ) معناه جاء أمره وقضاؤه ، وقال منذر بن سعيد : معناه ظهوره للخلق ، هنالك ؛ ليس مجيء نقلة وكذلك مجيء الصاخّة ، ومجيء الطامة (١) ، والملك اسم جنس يريد به جميع الملائكة ، و (صَفًّا) أي صفوفا حول الأرض يوم القيامة على ما تقدم في غير هذا الموضع ، و (جِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ) روي في قوله تعالى : (وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ) بأنها تساق إلى المحشر بسبعين ألف زمام يمسك كلّ زمام سبعون ألف ملك ، فيخرج منها عنق فينتفي الجبابرة من الكفار ، في حديث طويل باختلاف ألفاظ.
وقوله تعالى : (يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ) معناه : يتذكر عصيانه وما فاته من العمل الصالح ، وقال الثعلبي : «يومئذ يتذكر الإنسان» أي يتّعظ ويتوب ، «وأنى له الذكرى» ، انتهى.
(يَقُولُ يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي (٢٤) فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ (٢٥) وَلا يُوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ (٢٦) يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (٢٧) ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً (٢٨) فَادْخُلِي فِي عِبادِي (٢٩) وَادْخُلِي جَنَّتِي)(٣٠)
وقوله : (يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي) قال الجمهور : معناه لحياتي الباقية يريد في الآخرة.
(فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ) أي لا يعذّب كعذاب الله أحد في الدنيا ، ولا يوثق كوثاقه أحد ، ويحتمل المعنى أنّ الله تعالى لا يكل عذاب الكافر يومئذ إلى أحد ، وقرأ الكسائيّ ـ بفتح الذال والثاء (٢) ـ أي : لا يعذّب كعذاب الكافر أحد من الناس ، ثم عقّب تعالى بذكر نفوس المؤمنين وحالهم فقال : (يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ) الآية ، والمطمئنة معناه : الموقنة غاية اليقين ، ألا ترى قول إبراهيم* ع* (وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) [البقرة : ٢٦٠] فهي درجة زائدة على الإيمان ، واختلف في هذا النداء : متى يقع؟ فقال جماعة : عند خروج روح المؤمن ، وروي في ذلك حديث ، و (فِي عِبادِي) أي : في عداد عبادي الصالحين ، وقال قوم : النداء عند قيام الأجساد من القبور ، فقوله : (ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ) معناه بالبعث ، و «ادخلي في عبادي» أي في الأجساد ، وقيل : النداء هو الآن
__________________
(١) ذكره ابن عطية (٥ / ٤٨١)
(٢) ينظر : «السبعة» (٦٨٥) ، و «الحجة» (٦ / ٤١١) ، و «إعراب القراءات» (٢ / ٤٨٠) ، و «معاني القراءات» (٣ / ١٤٥) ، و «شرح الطيبة» (٦ / ١١١) ، و «العنوان» (٢٠٩) ، و «حجة القراءات» (٧٦٣) ، و «شرح شعلة» (٦٢٤) ، و «إتحاف» (٢ / ٦٠٩)