منفكين من أمر الله ونظره لهم حتّى يبعث إليهم رسولا ؛ تقوم عليهم به الحجة ، وتتمّ على من آمن به النعمة فكأنّه قال : ما كانوا ليتركوا سدى ، والصحف المطهّرة : القرآن في صحفه ؛ قاله قتادة والضحاك (١) ، وقال الحسن : الصحف المطهّرة في السماء (٢) ، (فِيها كُتُبٌ) أي : أحكام كتب ، و (قَيِّمَةٌ) معناه قائمة معتدلة آخذة للناس بالعدل ، ثمّ ذمّ تعالى أهل الكتاب في أنّهم لم يتفرّقوا في أمر محمّد صلىاللهعليهوسلم إلا من بعد ما رأوا الآيات الواضحة ؛ وكانوا من قبل متّفقين على نبوّته وصفته ، و (حُنَفاءَ) : جمع حنيف وهو المستقيم ، وذكر الزكاة مع ذكر بني إسرائيل يقوّي قول من قال : السورة مدنية ؛ لأنّ الزكاة إنما فرضت بالمدينة ، ولأنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم إنّما دفع إلى مناقضة أهل الكتاب بالمدينة ، وقرأ الجمهور : «وذلك دين القيمة» على معنى الجماعة والفرقة القيمة ، وقال ـ ص ـ : قراءة الجمهور : «وذلك دين القيمة» على تقدير الأمّة القيّمة ؛ أي : المستقيمة أو الكتب القيمة ، وقرأ عبد الله (٣) : «وذلك الدّين القيّمة» بتعريف الدّين ورفع القيمة صفة ، والهاء فيه للمبالغة أو على تأويل أنّ الدّين بمعنى الملّة ، انتهى ، و (الْبَرِيَّةِ) جميع الخلق ؛ لأن الله تعالى براهم أي : أوجدهم بعد العدم.
وقوله تعالى : (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ) قيل ذلك في الدنيا ؛ فرضاه عنهم هو ما أظهره عليهم من أمارات رحمته ، ورضاهم عنه ؛ هو رضاهم بجميع ما قسم لهم من جميع الأرزاق والأقدار ، وقال بعض الصالحين : / رضى العباد عن الله رضاهم بما يرد من أحكامه ، ورضاه عنهم أن يوفّقهم للرّضى عنه ، وقال سري السقطي : إذا كنت لا ترضى عن الله فكيف تطلب منه أن يرضى عنك ، وقيل ذلك في الآخرة ، وخصّ تعالى بالذكر أهل الخشية ؛ لأنها رأس كلّ بركة وهي الآمرة بالمعروف والناهية عن المنكر.
__________________
(١) أخرجه الطبري (١٢ / ٦٥٦) ، (٣٧٧٢٦) عن قتادة ، وذكره ابن عطية (٥ / ٥٠٧) ، وابن كثير في «تفسيره» (٤ / ٥٣٧) ، والسيوطي في «الدر المنثور» ، وعزاه لعبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن قتادة بنحوه.
(٢) ذكره ابن عطية (٥ / ٥٠٧)
(٣) ينظر : «مختصر الشواذ» (١٧٧) ، و «البحر المحيط» (٨ / ٤٩٥) ، و «الدر المصون» (٦ / ٥٥٢)