(بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها (٥) يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ (٦) فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ)(٨)
وقوله تعالى : (بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها) الباء باء السبب وقال ابن عبّاس وغيره : المعنى أوحى إليها (١) ، قال ـ ص ـ : المشهور أنّ (أَوْحى) يتعدّى ب «إلى» وعدّي هنا باللام مراعاة للفواصل ، وقال أبو البقاء : (لَها) بمعنى إليها ، انتهى.
وقوله سبحانه : (يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتاتاً) بمعنى : ينصرفون من موضع ورودهم مختلفي الأحوال ، قال الجمهور : ورودهم بالموت ، وصدورهم هو القيام إلى البعث والكلّ سائر إلى العرض ليرى عمله ، ويقف عليه ، وقيل : الورود هو ورود المحشر والصدر أشتاتا هو صدر قوم إلى الجنة وقوم إلى النار ليروا جزاء أعمالهم.
وقوله ـ جلت عظمته ـ : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ) الآية ، كان النبي صلىاللهعليهوسلم يسمّي هذه الآية الجامعة الفاذّة ، ويروى أنّه «لمّا نزلت هذه السّورة بكى أبو بكر وقال : يا رسول الله ، أو أسأل عن مثاقيل الذّرّ؟ فقال له النبيّ صلىاللهعليهوسلم : «يا أبا بكر ، ما رأيته في الدّنيا ممّا تكره فبمثاقيل ذرّ الشرّ ، ويدّخر لك الله مثاقيل ذرّ الخير إلى الآخرة» (٢) ، قال الداوديّ : بينما عمر بن الخطّاب بطريق مكّة ليلا ، إذا ركب مقبلين من حهة ، فقال لبعض من معه : سلهم من أين أقبلوا؟ فقال له أحدهم : من الفجّ العميق ، نريد البلد العتيق ، فأخبر عمر بذلك ، فقال : أوقعوا في هذا؟ قل لهم ، فما أعظم ، آية في كتاب الله ، وأحكم آية في كتاب الله ، وأعدل آية في كتاب الله ، وأرجى آية في كتاب الله ، وأخوف آية في كتاب الله؟ فقال له قائلهم : أعظم آية في / كتاب الله آية الكرسيّ [البقرة : ٢٥٥] ، وأحكم آية في كتاب الله : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ) [النحل : ٩٠] وأعدل آية في كتاب الله : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ* وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) وأرجى آية في كتاب الله : (إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً) [النساء : ٤٠] وأخوف آية في كتاب الله : (مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ) [النساء : ١٢٣] فأخبر عمر بذلك ، فقال لهم عمر : أفيكم ابن أمّ عبد؟ فقالوا : نعم ، وهو الّذي [كلّمك] ، قال
__________________
(١) أخرجه الطبري (١٢ / ٦٦١) ، (٣٧٧٤٣) ، وذكره البغوي (٤ / ٥١٥) ، وابن عطية (٥ / ٥١١) ، وابن كثير في «تفسيره» (٤ / ٥٣٩) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٦٤٥) ، وعزاه لعبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه عن ابن عبّاس.
(٢) ينظر : «الدر المنثور» (٦ / ٦٥٤)