اللفظ للبعض الباقى بعد التخصيص كتناوله له بلا تخصيص. وذلك التناول حقيقى اتفاقا ، فليكن هذا التناول حقيقيا أيضا.
ومنها أن قرينة الأول عقلية والثانى لفظية.
ومنها أن قرينة الأول لا تنفك عنه ، وقرينة الثانى قد تنفك عنه. ومنها أن الأول يصح أن يراد به واحد اتفاقا ، وفى الثانى خلاف ، ومن أمثلة المراد به الخصوص قوله تعالى :
(الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ). (٦٦)
والقائل واحد (هو) نعيم بن مسعود الأشجعى أو أعرابى من خزاعة ، كما أخرجه ابن مردويه من حديث أبى رافع ؛ لقيامه مقام كثير فى تثبيط المؤمنين عن ملاقاة أبى سفيان قال الفارسى : ومما يقوى أن المراد به واحد قوله : (إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ) (٦٧) ، فوقعت الإشارة بقوله : (ذلكم) إلى واحد بعينه ، ولو كان المعنى جمعا لقال : (إنما أولئكم الشيطان) ، فهذه دلالة ظاهرة فى اللفظ.
ومنها قوله تعالى : (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ) (٦٨) أى : رسول الله صلىاللهعليهوسلم لجمعه ما فى الناس من الخصال الحميدة. ومنها قوله : (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ) (٦٩). أخرج ابن جرير من طريق الضحاك عن ابن عباس فى قوله :
(مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ). قال : إبراهيم عليهالسلام. ومن الغريب قراءة سعيد بن جبير : (مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ) قال فى «المحتسب» : يعنى آدم لقوله : (فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً) (٧٠) ، ومنه قوله تعالى :
(فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ) (٧١). أى : جبريل كما فى قراءة ابن مسعود» أ. ه.
وأقول : ذكر السيوطى ـ كما ترى ـ للعام المراد به الخصوص أربعة أمثلة لا ننازعه منها إلا فى ثالثها ، وإن كان فى بعضها كلام ، وأعنى بهذا الثالث ما عزا فيه إلى الطبرى الرواية عن الضحاك عن ابن عباس : من أن الناس فى ثانية آيتى الإفاضة يراد بهم إبراهيم ، فإن النسخ المطبوعة بطبعات مختلفة من تفسير الطبرى فى تفسير هذه الآية من سورة البقرة ليس فيها الرواية عن الضحاك موصولة إلى ابن عباس ، بل الرواية فيها جميعا هى عن الضحاك موقوفة عليه ، وهكذا رواها عن الطبرى الحافظ ابن كثير (٧٢) ، وكذا رواها الحفاظ من أمثال الحافظ ابن حجر فى «الفتح» عن ابن أبى حاتم وغيره. فهذه واحدة.
وثانية هى أطم من الأولى وأعظم ، وهى أن هذا القول أحد قولين فى الآية حكاهما