الطبرى واختار غيره لما قال من إجماع الحجة عليه ، وأنه لو لا إجماع الحجة على هذا الغير لاختاره. هذا معنى كلامه ، وإنما القول المعتمد فى تفسير الآية أن يراد من الإفاضة فيها عين ما أريد منها فى سابقتها ، ومن قوله : (مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ) عرفات كما وقع التصريح به فى سابقتها على ما روى البخارى ـ رحمهالله ـ عن عائشة ـ رضى الله عنها ـ : «كانت قريش ومن دان دينها يقفون بالمزدلفة ، وكانوا يسمون الخمس وكان سائر العرب يقفون بعرفات ، فلما جاء الإسلام أمر الله نبيه صلىاللهعليهوسلم أن يأتى عرفات ثم يقف بها ثم يفيض منها ، فذلك قوله تعالى :
(ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ) أ. ه كذا أخرجه البخارى فى الحج وفى التفسير ، واللفظ من التفسير فى تفسير الآية من سورة البقرة. تريد ـ رضى الله عنها : أن المأمور بالإفاضة فى هذه الآية هو النبى صلىاللهعليهوسلم وأصحابه ، أمروا أن تكون إفاضتهم من حيث يفيض جمهور العرب أى من عرفة ـ لا من حيث كان يفيض قريش ومن دان دينها من المزدلفة أى أن يكون موقف النبى صلىاللهعليهوسلم الذى تصدر منه الإفاضة هو عرفة لا المزدلفة على ما كانت تفعل قريش ، وتوجيه (ثم) على هذا القول المعتمد ـ والذى اختاره الطبرى نفسه وحكى الإجماع عليه ـ ما قاله الحافظ ابن حجر فى شرح هذا الحديث من كتاب الحج قال رحمهالله (٧٣) : (وأما الإتيان فى الآية بقوله : (ثم) فقيل : هى بمعنى الواو. وهذا اختيار الطحاوى ، وقيل : لقصد التأكيد لا لمحض الترتيب ، والمعنى : فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام ، ثم اجعلوا الإفاضة التى تفيضونها من حيث أفاض الناس لا من حيث كنتم تفيضون.
قال الزمخشرى : وموقع (ثم) هنا موقعها من قولك : «أحسن إلى الناس ثم لا تحسن إلى غير الكريم» ، فتأتى (ثم) لتفاوت ما بين الإحسان إلى الكريم والإحسان إلى غيره ، فكذلك حين أمرهم بالذكر عند الإفاضة من عرفات بين لهم مكان الإفاضة فقال : ثم أفيضوا. لتفاوت ما بين الإفاضتين ، وأن إحداهما صواب والأخرى خطأ.
قال الخطابى : «تضمن قوله تعالى (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النَّاسُ) الأمر بالوقوف بعرفة لأن الإفاضة إما تكون عند اجتماع قبله ، وكذا قال ابن بطال وزاد : وبين الشارع مبتدأ الوقوف بعرفة ومنتهاه» أه.
نعم قد جاء الآخر رواية عن ابن عباس عند البخارى أيضا فى تفسير الآية من كتاب التفسير والذى حاصله أن الإفاضة فى هذه