الآية غيرها فى سابقتها ، وأنها الإفاضة من «جمع» أى : المزدلفة إلى منى لرمى الجمرات ، ولكن المقصود بالناس
فى هذه الرواية ليس ما فى رواية الضحاك ، وإنما هو العموم الشامل لجماهير الناس جميعا ، أو هم قريش على أقل تقدير. ففي هذا الحديث عند البخارى :
ثم ليدفعوا من عرفات فإذا أفاضوا منها حتى يبلغوا جمعا الذى يتبرر فيه ، ثم ليذكروا الله كثيرا أو أكثروا التكبير والتهليل قبل أن تصبحوا ، ثم أفيضوا فإن الناس كانوا يفيضون. وقال الله تعالى : وتلا الآية ثم قال :
حتى ترموا الجمرة أ. ه.
فلا تشترك هذه الرواية مع ما قال الضحاك إذن ، إلا فى مجرد أن الإفاضة فى الآية يراد بها الإفاضة من المزدلفة ، وأما أن الناس فيها يراد بهم إبراهيم عليهالسلام فشىء لم يعرف عن ابن عباس ولا عن غيره ، وإنما هو قصر على الضحاك وحده ، وشتان ما بين الأمرين ، ومع هذا فإن هذا القول عن ابن عباس ـ وإن بقيت فيه (ثم) التى صدرت بها الآية على حقيقتها من إفادة الترتيب ، ليس هو القول المعتمد فى تفسير الآية ، والذى وصفنا من قول عائشة ، بل الذى نطقت به رواية أخرى عن ابن عباس فى تفسير الطبرى نفسه ، كما جاءت به الرواية عند الطبرى عن عروة بن الزبير وعطاء وقتادة ومجاهد والسدى والربيع وابن أبى نجيح.
ومن ثم حكى الطبرى إجماع الحجة عليه كما سبق. وإنما كان الذى وصفنا من قول هؤلاء المعتمد ؛ لأنه فوق كونه قول الجمهور نص فى إلغاء صنيع قريش ، وإيجاب أن يكون موقف الجميع ؛ قريش وغير قريش بعرفة ، بخلاف ما فى هذه الرواية عن ابن عباس ، فإنه وإن أفاد إيجاب الإفاضة إلى منى لم يعرض من قليل أو كثير لما هو أهم منه بدرجات ـ أعنى إبطال الباطل ـ ولا سيما أن الإفاضة من المزدلفة إلى منى كان أمرا معروفا ومشتركا متفقا فيه من الكل ؛ قريش ، وغير قريش ، فلم تضف الآية جديدا.
وأيضا فإن أمر منى سيأتى الحديث عنه بعد هذا بقليل فى قوله تعالى : (وَاذْكُرُوا اللهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُوداتٍ) (٧٤) الآية. وفى هذا الرد :
(أ) على ما زعم الطبرى من ترجيح أن تراد الإفاضة إلى منى لو لا إجماع الحجة على الأول.
(ب) وعلى علامة مفسرى العصر الطاهر ابن عاشور فيما زعم من ذلك لو لا الحديث ، كما قال فى تفسيره الجليل «التحرير والتنوير» يريد حديث عائشة المتضمن للقول المعتمد.