ولعلنا نتساءل عن (بدء الوحى) : متى وكيف بدأ؟؟
ولقد تكفلت السنة الصحيحة فى الجواب عن ذلك ، فيروى الشيخان والترمذي والنسائى وغيرهم بإسنادهم عن السيدة عائشة أم المؤمنين ـ رضى الله تعالى عنها ـ أنها قالت :
«أول ما بدئ به رسول الله صلىاللهعليهوسلم من الوحى الرؤيا الصالحة فى النوم ، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ، ثم حبب إليه الخلاء ، وكان يخلو بغار حراء ، فيتحنث فيه ـ وهو التعبد ـ الليالى ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله ، ويتزود لذلك ، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها ، حتى جاءه الحق وهو فى غار حراء ، فجاءه الملك فقال : اقرأ ، قلت : ما أنا بقارئ ، فأخذنى فغطنى حتى بلغ منى الجهد ، ثم أرسلنى فقال : اقرأ ، قلت : ما أنا بقارئ ، فأخذنى فغطنى الثالثة ، ثم أرسلنى فقال :
(اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (١) خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ (٢) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ) ، فرجع بها رسول الله صلىاللهعليهوسلم يرجف فؤاده ، فدخل على خديجة بنت خويلد ـ رضى الله عنها ـ فقال : زمّلوني ... زملونى ... فزملوه حتى ذهب عنه الروع ، فقال لخديجة وأخبرها الخبر : لقد خشيت على نفسى ، فقالت خديجة : كلا والله ما يخزيك الله أبدا ، إنك لتصل الرحم ، وتحمل الكلّ ، وتكسب المعدوم ، وتقرى الضيف ، وتعين على نوائب الحق.
فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى ابن عم خديجة ، وكان امرأ تنصر فى الجاهلية ، وكان يكتب الكتاب العبرانى فيكتب من الإنجيل بالعبرانيّة ما شاء الله أن يكتب ، وكان شيخا كبيرا قد عمى فقالت له خديجة : يا ابن عمّ ، اسمع من ابن أخيك.
فقال له ورقة : يا ابن أخى ، ما ذا ترى؟
فأخبره رسول الله صلىاللهعليهوسلم خبر ما رأى ، فقال له ورقة : هذا الناموس الذى نزّل الله على موسى ، يا ليتنى فيها جذع ، ليتنى أكون حيا إذ يخرجك قومك! فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : أو مخرجيّ هم؟ قال : نعم ، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودى ، وإن يدركنى يومك أنصرك نصرا مؤزّرا ، ثم لم ينشب ورقة أن توفى وفتر الوحى» (٨٦).
* ولنا فى هذا الحديث الجامع وقفات عدة : ـ
فالوقفة الأولى : عند توقيت أوّليّة الوحى وسرّ نوعيّته فى هذا البدء : فقد روى ابن سعد بإسناده أن نزول الملك على النبى صلىاللهعليهوسلم بغار حراء كان يوم الاثنين لسبع عشرة خلت