ومصحف أبى بن كعب رضي الله عنه كان يبدأ بسورة الفاتحة ، فالبقرة ، فالنساء ، فآل عمران.
كما استدلوا بحديث ابن عباس رضي الله عنه عند أحمد والترمذى وغيرهما ، قال : «قلت لعثمان :
ما حملكم على أن عمدتم إلى الأنفال وهى من المثانى ، وإلى براءة وهى من المئين فقرنتم بينهما ولم تكتبوا بينهما سطر (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ووضعتموها فى السبع الطوال ، قال عثمان رضي الله عنه : كانت الأنفال من أوائل ما أنزل بالمدينة وكانت براءة من آخر القرآن نزولا ، وكانت قصتها شبيهة بقصتها ، فظننت أنها منها فقبض رسول الله صلىاللهعليهوسلم ولم يبين لنا أنها منها ، فمن أجل ذلك قرنت بينهما ، ولم أكتب سطر (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ووضعتهما فى السبع الطوال (١٥).
قلت : وهذا وذاك استدلال ضعيف ، ذلك لأن ترتيب مصاحف الصحابة ـ رضى الله عنهم ـ جاء مختلفا حيث كانوا يكتبون لأنفسهم لا للأمة ، ولم يؤمروا بترتيب معيّن ، ولهذا أقروا بالإجماع على ترتيب السور فى مصحف أبى بكر ، بل سلموا صحفهم هذه لعثمان بن عفان رضي الله عنه ليحرقها إجماعا منهم على الترتيب فى مصاحف عثمان الذى وافق ترتيب مصحف أبى بكر ، ومن قبل قراءة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ولا سيما فى العرضة الأخيرة.
هذا ردّ لاستدلالهم الأول ، أما استدلالهم الثانى بحديث ابن عباس رضي الله عنه فلا تقوم به حجة ، لأنه حديث ضعيف ، قال فيه الإمام الترمذى ـ رحمهالله تعالى ـ : لا نعرفه إلا من حديث عوف بن زيد الفارسى. وقد ذكره البخارى فى كتابه" الضعفاء الصغير" واشتبه فيه : هل هو ابن هرمز ، أو غيره؟
كما أن فى متن الحديث ما يرده ، مثل قوله : " فقبض رسول الله صلىاللهعليهوسلم ولم يبين لنا أنها منها ، لأن هذا لا يخلو أن يكون تقصيرا من النبى صلىاللهعليهوسلم أو قصورا فى الرسالة. وكلا الأمرين باطل محال.
المذهب الثانى :
أن ترتيب بعض السور توقيفى ، وهو ما ورد فيه توقيف ، وما عداه فليس توقيفيا ، وهو ما لم يرد فيه توقيف.
واستدل أصحاب هذا المذهب بما ورد من أحاديث فيها ذكر لبعض السور مرتبا ، مثل :
ما روى الإمام مسلم عن أبى أمامة رضي الله عنه عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «اقرءوا الزهراوين : البقرة وآل عمران (١٦).
وعند الإمام البخارى ـ رحمهالله ـ أن