رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه ثم نفث فيهما فقرأ (قل هو الله أحد ، والمعوذتين) (١٧).
وأقول : إن الأحاديث الواردة بالتوقيف فى ترتيب بعض السور وإن دلت على التوقيف فيها ، فإنها لا تدل ضرورة على أن ترتيب البعض الآخر كان بالاجتهاد ، بل غاية ما يمكن أن يدل عليه هو احتمال أن يكون ترتيب هذا البعض الآخر اجتهاديا ، ويبقى احتمال أن يكون أيضا بالتوقيف.
المذهب الثالث :
أن ترتيب السور كان بالتوقيف ، نزل به جبريل عليهالسلام على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وعلمه كذلك لأصحابه ـ رضى الله عنهم ـ فحفظوه وبلغوه لمن بعدهم على ذلك.
قال ابن حجر ـ رحمهالله ـ «ترتيب بعض السور على بعضها ، أو معظمها لا يمتنع أن يكون توقيفيا ، والأدلة على ذلك :
١ ـ قول الله تعالى (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) [النساء ٨٢] وفى عموم هذه الآية أقول : لو كان ترتيب سور القرآن باجتهاد الناس لتنوع واختلف على اختلاف نظر كل قائم بهذا العمل ، كما اختلف ترتيب مصاحف كتبة الوحى حين كانوا يكتبون القرآن على عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم فى صحفهم الخاصة بهم ، فلم تكن على ترتيب واحد ، وبالتالى فوحدة ترتيب سور القرآن منذ عهد النبوة ـ قراءة ـ وإلى الآن ـ قراءة وكتابة ـ دليل على توقيف هذا الترتيب.
٢ ـ أخرج الإمام البخارى ـ رحمهالله ـ عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال عن سور «بنى إسرائيل ـ يعنى الإسراء ـ والكهف ومريم وطه والأنبياء : إنهن من العتاق الأول وهن من تلادى» (١٨).
وروى أحمد وأبو داود (١٩) من حديث حذيفة رضي الله عنه أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم تأخر عليهم ولم يخرج ، ولما خرج سألوه؟ فقال :
«طرأ علىّ حزبى من القرآن فأردت أن لا أخرج حتى أقضيه". فسألنا أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم قلنا : كيف تحزبون القرآن؟ قالوا :
نحزبه ثلاث سور ، وخمس سور ، وسبع سور ، وتسع سور ، وإحدى عشرة ، وثلاث عشرة ، وحزب المفصل حتى نختم".
٣ ـ إجماع الأمة قاطبة على هذا الترتيب ، وعلى حرمة مخالفته فى كتابة المصاحف ، وبهذا كله يتبين رجحان القول بتوقيف ترتيب السور القرآنية فى المصحف ، واختار هذا المذهب الإمام أبو جعفر النحاس ، وعزاه إلى علىّ بن أبى طالب رضي الله عنه.