عند أنفسهم ، ولم يذيعوها على الناس فيوقعهم فى حيرة واختلاف ، إذا لأراحونا من هذه الحيرة وأراحوا أنفسهم من كلام الناس فيهم ، وقذف البعض لهم بالكفر والإلحاد فى آيات الله». (٨٥)
١٩ ـ التفسير الفلسفى :
ومن العلماء من اتجه فى تفسير القرآن اتجاها فلسفيا.
ففي العهد العباسى شجع العباسيون حركة الترجمة إلى العربية بصورة كبيرة وخطيرة فى الوقت ذاته ، حتى أضحت بغداد كعبة علمية وجامعة ثقافية ، يفد إليها طلاب العلم من كل حدب ينسلون ، ومن الكتب التى ترجمت كتب الفلسفة ، التى وقف حيالها علماء المسلمين فريقين :
(أ) فريق معارض محارب ، حيث رآها تتعارض مع القرآن الكريم ، وكان على قمة هذا الفريق الإمام أبو حامد الغزالى ، والفخر الرازى ، الذى امتلأ تفسيره بالرد على هذه الفلسفة ، فى المواضع المناسبة.
(ب) وفريق أعجب بها إلى حد كبير ، رغم هذا التعارض الظاهر ، لأنه رأى أنه يمكن التوفيق بين القرآن والفلسفة بإحدى وسيلتين :
١ ـ الوسيلة الأولى : تأويل النص القرآنى بما يساير أقوال الفلاسفة ، وهذا من الخطورة بمكان ، لأن فيه ليّا لعنق الآية الكريمة ، وإكراه ألفاظها على معان لا تحتملها ، وليست مرادة لله ـ عزوجل ـ من قرآنه ، هذا فوق ما فيه من شطط واضح ، وإلحاد ظاهر فى آيات الله.
٢ ـ الوسيلة الثانية : شرح النصوص القرآنية بآراء الفلاسفة ، وتلك أخطر من سابقتها ، حيث تجعل كلام الفيلسوف هو الأصل المتبوع ، وكلام الله ـ عزوجل ـ هو الفرع التابع ، وفى هذا قلب للموازين ، وإلحاد أعظم وأخطر من سابقه.
ولكن هذا التوفيق رغم الجهد الجهيد من أصحابه ، كان فى غاية الضعف والهزال ، ولذلك لم يجد من تصدى لهدم تلك الآراء الفلسفية صعوبة فى الإتيان عليها من قواعدها ، فخر عليها سقفها من فوقها.
المؤلفات فى التفسير الفلسفى :
المتتبع لمؤلفات من طغت عليهم تلك النزعة التفسيرية ، لا يرى لهم تفسيرا كاملا للقرآن الكريم ، وإنما هى شروح مبثوثة لهم ضمن مؤلفاتهم ، ومن أبرز هؤلاء :
١ ـ أبو نصر الفارابى المتوفى سنة ٣٣٩ ه ، فى كتابه «فصوص الحكم». (٨٦)