أحميت عليه النار وفيه ذهب أصفر اللون ، ذائب يتحرك وسط الإناء تخرج منه أشعة صاعدة أمام الرائى. وهذا هو تركيب المشبه به والمشبه وهما مركبان حسيان يريان بحاسة البصر. أما وجه الشبه :
فهو الهيئة الحاصلة من الاستدارة مع صفرة اللون والأشعة المتموجة المرسلة من سطح الإناء وهذا هو تركيب وجه الشبه.
قارن هذا التشبيه التمثيلى بالتشبيه المفرد فى قول كعب بن زهير يمدح الرسول صلىاللهعليهوسلم. تر الفروق الواضحة بين كثافة المعانى والصور هنا ، ويسرها وبساطتها هناك.
وعلى هذا المنوال جاءت التشبيهات التمثيلية في القرآن الكريم ، ولنأخذ أولا قوله تعالى :
(ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ شُرَكاءَ فِي ما رَزَقْناكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَواءٌ تَخافُونَهُمْ كَخِيفَتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (٤).
هذه الآية الكريمة تواجه قضية من قضايا الشرك والإيمان فى منتهى الخطورة :
حاصل هذه القضية أن مشركى العرب ، مع إيمانهم بالله ، كانوا يشركون به أصنامهم وأوثانهم ، يرجون منها النفع ، وأن يقربوهم من الله زلفى.
فكيف واجه القرآن هذه القضية. وكيف أبطل باطل القوم وأقام عليهم الحجة ، وساعدهم على التخلص من اعتقادهم الباطل ، لا بحز أعناقهم بالسيوف ، ولكن بالعقل والبرهان بادئا بتوجيه الخطاب إليهم هكذا :
(ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ ..) وخلاصة هذا المثل أن الله ساق لهم عظة وعبرة من واقع حياتهم التى يعيشونها بكل مشاعرهم ووعيهم. يقول الله لهم :
إنكم تزعمون أن أصنامكم وأوثانكم لها شرك مع الله فى ملكه تنفع وتضر كما ينفع الله ويضر ، متساوون مع الله فى التصرف فى شئون الكون.
ونحن نسألكم : هل لكم من عبيدكم وإمائكم الذين تملكون رقابهم هل لكم منهم شركاء فى ما تملكون يتصرفون فى ممتلكاتكم بكل حرية دون الرجوع إليكم ، وأنكم إذا تصرفتم فى أموالكم تخافون منهم وتخشونهم إذا تصرفتم فى أموالكم تخافون منهم يعلمون ، كخشية بعضكم بعضا ـ أيها الأحرار ـ إذا كانت بينكم شركة وخلطة فى بعض الأموال.
إن الإجابة على هذا السؤال هى بالنفى قطعا ، سواء أفصحوا بها أو أسروها فى أنفسهم.