فهذا تمثيل جدلى احتجاجى أفحم الله فيه المشركين بالعقل والبرهان ؛ ولذلك جاءت خاتمة الآية :
(كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)
وكان الله يقول لهم بعد ذلك النفى الذى يحسونه فى أنفسهم : إذا كنتم لا ترضون أن تشركوا عبيدكم وإماءكم معكم فى ممتلكاتكم وأنتم وهم بشر مخلوقون ، فكيف ترضونه لأصنامكم مع الله وهو الخالق المهيمن ، وهم مخلوقون بل جماد لا إحساس لهم ولا إرادة.
فالمشبه والمشبه به هنا هيئتان أو صورتان مركبتان وكذلك وجه الشبه هيئة مركبة من عدة عناصر ، لأنه تشبيه تمثيلى مركب.
المشبه هو دعوى المشركين أن للاصنام شركة مع الله فى الكون تنفع كما ينفع ، وتضر كما يضر مع بطلان الأسس التى بنوا عليها هذه الدعوى.
وهو مركب مزيج من الحسيات وبعض المعنويات والمشبه به نفى أن يكون للمشركين شركاء من عبيدهم ومملوكيهم يتصرفون كما يتصرف أسيادهم فى ما يملكون ، مع خشية الأسياد من المملوكين إذا تصرفوا فى أموالهم دون الرجوع إليهم ، كخشية الشركاء الأحرار بعضهم بعضا. وهو مركب حسى مشوب بشيء من المعنوى.
ووجه الشبه هو بطلان المساواة بين الطرفين مع بطلان ما بنيت عليه هذه المساواة.
وبهذا التمثيل الرائع بطلت عقيدة الإشراك عقلا كما هى باطلة واقعا.
ومثال آخر هو قوله تعالى :
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى كَالَّذِي يُنْفِقُ مالَهُ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوانٍ عَلَيْهِ تُرابٌ فَأَصابَهُ وابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْداً لا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ) (٥).
المشبه فى هذا التمثيل الإنفاق الذى يتبعه منّ وأذى من المنفق الذى لم يرد بإنفاقه وجه الله ولا يرجو ثوابه ، والمشبه به حجر صخرى عليه قليل من تراب ، هطل عليه المطر فأزال التراب وترك الحجر أملس نقيا.
فكل من المشبه والمشبه به هيئة ، مركبة من عدة عناصر حسية ومعنوية.
ووجه الشبه هو الهيئة الحاصلة من تجمع أشياء بعضها فوق بعض ، سلطت عليها عوامل الإزالة مع سرعة الفناء والهلاك وهو مركب حسى.