والغرض من التمثيل هو الحرمان والحسرة والعجز عن التدبير والتحذير من سوء المصير ومثال ثالث ، هو قوله تعالى :
(وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ ..) (٦).
وهذا مثل أو تمثيل لحال الحياة الدنيا فى نموها وازدهارها وسرعة فنائها وهوان أمرها.
شبهها الله عزوجل بصورة حديقة أرواها الماء فأنبتت من كل زوج بهيج ، ثم سرعان ما ذبلت ويبست وزالت نضارتها وبهاؤها ، وتحطمت أشجارها وجفت ينابيعها وصار نباتها وزرعها غثاء أحوى.
فالمشبه هو الدنيا فى سرعة زوالها بعد بهجتها ونضارتها ، والمشبه به حديقة توفرت لها أسباب النماء والازدهار والإبهاج ثم سرعان ما أسرع إليها الفناء والهلاك ، وطرفا التشبيه مركبان حسيان.
أما وجه الشبه فهو الهيئة الحاصلة من اجتماع أشياء مبهجة ، نافعة ، أبلغ ما يكون النفع ، مع سرعة هلاكها وانقضائها. وهو مركب حسى كذلك.
والغرض من التشبيه هو التحذير من الاغترار بالدنيا والركون إليها وترك العمل للحياة الآخرة.
ومما تجدر الإشارة إليه أن التشبيه التمثيلى فى القرآن إذا كان المشبه به فيه مركبا من عدة عناصر نجد أداة التشبيه فيه داخلة دائما على العنصر الرئيسى من عناصره. وإذا تتبعنا هذه التمثيلات القرآنية كلها نجدها خاضعة لهذا المنهج البيانى الحكيم. ونريد من العنصر الرئيسى فى التمثيل القرآنى كونه سببا فى ما بعده ، ولولاه ما كان عنصر منها ، وهى منه بمثابة المسبب ، فقد ضرب ثلاثة أمثال للحياة الدنيا. وفى كل واحد منها نجد الماء هو العنصر الرئيسى لجميع العناصر الآتية بعده.
أول هذه الأمثال الثلاثة كان فى سورة «يونس» وهو قوله تعالى :
(إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلاً أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (٧).
تأمل العناصر التى وردت بعد «الماء» تجد الماء هو السبب فيها ، ولو لا الماء ما كان لواحد منها وجود.
أما المثل الثانى فهو آية «الكهف» التى تقدم ذكرها آنفا. وفيها دخلت أداة التشبيه على