الروح ، فأنزل الله تعالى : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً)». قال الترمذى : هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه.
فالرواية الأولى تقتضى أن الآية نزلت بالمدينة ، والثانية تقتضى أنها نزلت بمكة.
وقد رجح العلماء الأولى لكونها من رواية البخارى ، وما رواه أصح ، وبأن ابن مسعود كان حاضرا مشاهدا للقصة.
(ه) أن يأتى فى الآية روايتان كل منهما نص فى سبب النزول : وكل منهما مساوية للأخرى فى الصحة ولا مرجح عندئذ لإحداهما ، لكن يمكن الجمع بينهما ، لتقارب الزمن بين القصتين ، فتكون الآية نازلة فى السببين أو الأسباب معا على هذا الوجه وذلك الاعتبار.
مثال ذلك : ما ورد فى سبب نزول قول الله تعالى : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (٦) وَالْخامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ (٧) وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهاداتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكاذِبِينَ (٨) وَالْخامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللهِ عَلَيْها إِنْ كانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٩) وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ) الآيات سورة النور / ٦ ـ ١٠.
فقد أخرج البخارى وغيره عن ابن عباس رضى الله عنهما أنها نزلت فى هلال بن أمية لما قذف زوجته عند النبى صلىاللهعليهوسلم بشريك بن سحماء ، وقد مرت هذه الرواية بالتفصيل من قبل عند بحث مسألة : عموم اللفظ وخصوص السبب.
كما أخرج البخارى ومسلم (٦٨) من رواية سهل بن سعد الساعدى : أنها نزلت فى عويمر العجلانى ، لما سأل رسول الله صلىاللهعليهوسلم قائلا : يا رسول الله ، رجل وجد مع امرأته رجلا ، أيقتله فتقتلونه ، أم كيف يصنع؟ فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «قد أنزل الله فيك وفى صاحبتك».
فأمرها رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالملاعنة بما سمى الله فى كتابه. إلى آخر الحديث.
فيمكن الجمع بين الحادثتين : بالقول بأن حادثة هلال بن أمية وقعت أولا ، وصادف مجىء عويمر كذلك فنزلت الآية فى شأنهما معا بعد حادثتيهما ، إذ لا يجوز أن نرد الروايتين معا لصحتهما ، كما لا يجوز أن نرد إحداهما ونأخذ بالأخرى ، لأنه لا مرجح بينهما ، فبقى أن نأخذ بهما معا كما قرر العلماء ، سيما مع قرب زمانيهما.