المفسر فى حديثه عن كل من الشمس والقمر إلى أن يقول : أما القمر فقدره منازل يطلع فى أول ليلة من الشهر ضئيلا قليل النور ثم يزداد نورا فى الليلة الثانية ويرتفع منزله ، ثم كلما ارتفع ازداد ضياء ، وإن كان مقتبسا من الشمس حتى يتكامل نوره فى الليلة الرابعة عشرة ، ثم يشرع فى النقص إلى آخر الشهر حتى يصير «كالعرجون القديم». قال ابن عباس : هو أصل العذق ، وقال مجاهد :
العرجون القديم أى : العذق اليابس. يعنى أصل العنقود من الرطب إذا عتق ويبس وانحنى (١٣).
ويجيء تفسير الجلالين ـ بالرغم من منهجه إيجازا فيزيد الظاهرة تفصيلا فيقول :
قدرناه من حيث سيره منازل ثمانية وعشرين ليلة من كل شهر ويستتر ليلتين إن كان الشهر ثلاثين يوما ، وليلة إن كان تسعة وعشرين يوما ، حتى عاد فى آخر منزله «كالعرجون القديم» ، تعود الشماريخ جمع شمراخ وهو عيدان عنقود النخيل الذى عليه الرطب إذا عتق فإنه يرق ويتقوس ويصغر (١٤). ويقول مثل ذلك صاحب صفوة التفاسير (١٥).
ثم يعرض الأستاذ الدكتور زغلول النجار لتفسير هذه الآية فى ضوء التقدم الكبير فى علم الفلك فى السنوات الأخيرة ، فيتحدث عن منازل القمر فى علم الفلك حديثا مسهبا ويزيد الأمر وضوحا فى إيضاح الإعجاز العلمى فى الآية الكريمة فيقول : «نظرا للارتباط الشديد بين مراحل أشكال القمر المتتالية من الهلال الوليد إلى التربيع الأول إلى الأحدب الأول إلى البدر ، ثم إلى الأحدب الثانى ثم الهلال الثانى ثم المحاق إلى الهلال الجديد فى الشهر القمرى الجديد وبين منازل القمر الثمانية والعشرين وهى مواقعه اليومية المتتالية فى السماء بالنسبة إلى نجوم تبدو مواقعها قريبة ظاهريا ، فإن التعبير بمنازل القمر يمكن إطلاقه على مراحل القمر المتتالية وعلى منازله المتواقعة مع تلك المراحل ـ أى مواقعه المتتالية فى السماء ـ باعتبار المنازل ـ جمع منزل ـ وهو المنهل والدار. وإن تقدير هذه المنازل القمرية فيه من الدلالة على طلاقة القدرة الإلهية ما فيه لأهميته فى معرفة الزمن وتقديره وحسابه باليوم والأسبوع والشهر والسنة ، وفى التأريخ للعبادات والأحداث والمعاملات والحقوق ، ولما فيه من تأكيد على ضبط سرعة القمر ضبطا دقيقا ؛ من أجل الحيلولة دون ارتطامه بالأرض فيفنيها وتفنيه ، أو انفلاته من عقال جاذبيتها فينتهى إلى نهاية لا يعلمها إلا الله وفى الوقت نفسه الارتباط الدقيق بين سرعة دوران كل منهما حول محوره ، فإذا زادت