وأول إشارة للمسكرات كانت قبل الهجرة ، في سياق ذكر بعض نعم الله على عباده ، إذ وصف ما يصنعه الناس من ثمرات النخيل والأعناب من تمر وزبيب ودبس ومربيات بأنه رزق حسن ، ولم توصف الخمر التي يصنعونها منها بهذا الوصف. قال تعالى : (وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ). (٢٦)
وتذييل الآية يدل على أن العقلاء يتخذون الرزق الحسن من الثمرات لا السكر غير الحسن. وما ذا بعد الحسن إلا القبيح! فالخمر إذن قبيحة.
والخطوة الثانية في تحريم الخمر.
كانت في لفت الأنظار إلى أن أضرار الخمر والميسر تربو على منافعهما فأضرارهما كبيرة لا يحدها وصف ، ومنافعهما ضئيلة لا تكاد تذكر ، ولا تزيد على دريهمات يحصل عليها من يعصر الخمر ويبيعها ، ولقيمات يقدمها لاعبو الميسر إلى الفقراء حين يذبحون الجزور التي استقسموا عليها. وهم يكدرون هذا البر اليسير بما يخالطه من المن والفخر والخيلاء والكبر.
وكان هذا التنبيه حين أتى عمر بن الخطاب ومعاذ بن جبل ونفر من الأنصار إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقالوا : أفتنا في الخمر والميسر ، فإنها مذهبة للعقل مسلبة للمال. فأنزل الله تعالى هذه الآية :
(يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما). (٢٧)
والخطوة الثالثة حرمت الخمر والسكر حين القيام للصلاة.
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ). (٢٨)
والآية نزلت في أناس من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم كانوا يشربون الخمر ، ويحضرون الصلاة وهم نشاوى ، فلا يدرون كم يصلون ولا ما يقولون في صلاتهم إذ صنع عبد الرحمن بن عوف طعاما ، ودعا رجالا من الصحابة ، فطعموا وشربوا.
وحضرت صلاة المغرب ، فتقدم أحدهم فصلى بهم ، فقرأ : (قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ) فلم يقمها ، فنزلت». (٢٩)
وهذه الخطوة كسرت طوق العادة المستحكمة فيهم ، وضيقت الأوقات التي يستطيعون أن يتناولوا الخمر فيها ، فحصرتها في الليل بعد صلاة العشاء ، وفي