وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ (١٩) إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ. اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ (٢٠) وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْماً صالِحِينَ). (٢١)
لكن أحد اخوته تحركت في نفسه نوازع الرحمة والشفقه عليه ، فنهاهم عن قتله وأشار إلى وسيلة لإبعاده عنهم والتخلص منه :
(قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِ (٢٢) يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ (٢٣) إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ) (٢٤)
وتم اتفاقهم على هذه المكيدة ، وشرعوا يدبرون وقوعها ، فانطلقوا يستأذنون أباهم ليرسله معهم ، ويغرونه بإرساله ، ويعدونه بأن يكونوا أمناء عليه حافظين له :
(قالُوا يا أَبانا ما لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَناصِحُونَ. أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ. قالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ. قالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذاً لَخاسِرُونَ) (٢٥)
ولعلهم ازدادوا تصميما على فعلتهم الشنيعة بعد أن سمعوا جواب الأب بأنه يحزن لبعده عنه ولو لم يصبه مكروه ، وأنه يتخوف عليه كل أذى.
وبعد أن واروه في البئر راحو إلى أبيهم متباكين ، يزعمون أنه حدث ما كان يحذره. وجاؤوا بما حسبوه علامة على صدقهم.
(وَجاؤُ أَباهُمْ عِشاءً يَبْكُونَ. قالُوا يا أَبانا إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنا يُوسُفَ عِنْدَ مَتاعِنا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ وَجاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ) (٢٦)
ومع أن الأب أدرك كذبهم ، وعلم أنه لم يكن هناك لعب ولا سباق ولا ذئب ، مع ذلك لم يقابلهم بغير الصبر والاستعانة بالله :
(قالَ بَلْ سَوَّلَتْ (٢٧) لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ). (٢٦)
وبذلك تنتهي المرحلة الأولى من حياة يوسف ، وقد تعلمنا منها وجوب العدل بين الأبناء ، ورأينا نتيجة الحسد والغيرة بين الأقران. وأصبحنا في شوق لمعرفة تتمة القصة ، ونحن نتمنى السلامة لذلك الطفل البريء الذي غدر به الذين كان من واجبهم أن يحفظوه ويعطفوا عليه.