النجاه والتكريم :
لم تغفل عين الله لحظة عن الطفل ، إذ أوحى إليه ما يثبته ويشعره بالأمن ، وأرسل له من أخرجه من ذلك المكان المظلم العميق ، ونقله إلى بيت يجد فيه التكريم والنعيم :
(وَجاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُوا وارِدَهُمْ (٢٨) فَأَدْلى دَلْوَهُ قالَ يا بُشْرى هذا غُلامٌ وَأَسَرُّوهُ بِضاعَةً وَاللهُ عَلِيمٌ بِما يَعْمَلُونَ. وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ (٢٩). دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ. وَقالَ الَّذِي اشْتَراهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْواهُ (٣٠) عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَاللهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (٣١)
محنة يوسف في القصر :
نشأ يوسف نشأة حسنة ، وظهر عليه ما يدل على علمه وذكائه ، بالإضافة إلى حسنه وجماله ؛ مما جعل سيدة القصر تفتن به ، وتحاول أن تغويه بنفسها ، لكنه قاوم كل الإغراء وصرف الله عنه السوء والفحشاء :
(وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ. وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوابَ وَقالَتْ هَيْتَ (٣٣) لَكَ قالَ مَعاذَ اللهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ (٣٣) إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ، وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ). (٣٤)
ولم يكن امتناعه بسبب خوف أو عجز ، فهي التي طلبت منه صراحة بعد أن فشلت في محاولات الإغراء المقنعة ، وقد هيأت المخدع الآمن ، وأوصدت الأبواب ، وكشفت له عن شهوتها المستعرة. ومن الذي يمتنع عن تلبية دوافعه في ذلك الحين ، ومن يستطيع أن يتحكم في مشاعره ويضبط غريزته حينئذ؟
إنه لا يفعل ذلك إلا من عصمه الله ، وكان تقيا نقيا.