فأول صفات الله التي تجعله مستحقا للعبادة القدرة على الخلق. وكل ما عبد من دونه عاجز عن خلق حشرة حقيرة كالذباب. بل إن الأصنام التي يعبدها المشركون عاجزة عن استرداد ما قدم لها من الطعام إذا سلب منه الذباب شيئا. وسواء أكان الطالب هو الصنم والمطلوب هو الذباب ، أم كان الطالب هو المشرك والمطلوب هو الصنم ؛ لأن الجميع ضعاف ، والله هو القوي الخالق لكل شيء والمستحق للعبادة.
وأخبر الله عن عدم قبول أعمال الكافرين بقوله :
(مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمالُهُمْ كَرَمادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلى شَيْءٍ ذلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ). (١٢٣)
فكما أن الريح الشديدة والعاصفة القوية تبعثر الرماد ، ولا تبقى منه شيئا فإن أعمال الكافرين تبدد فتصبح هباء منثورا ، ولا ينفعهم شيء مما عملوه وكسبوه لأنهم لم يريدوا به وجه الله.
كما أخبر ـ سبحانه ـ عن هذا المعنى بقوله :
(وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ (١٢٤) يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ (١٢٥) ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسابَهُ وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسابِ .. أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍ (١٢٦) يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ) (١٢٧)
وإن الذهن حين يدرك هاتين الآيتين ليتخيل صورة مسافر في الصحراء تحت أشعة الشمس المحرقة ، وقد انقطع عن الماء ، وأشرف على الهلاك من الظمأ. وإذ به يتراءى له عن بعد ما يظنه ماء ، فيحاول الوصول إليه بما بقي لديه من جهد. ومهما اشتد في سيره يراه بعيدا أمامه ، حتى إذا تضيفت الشمس للغروب ، أو شاهد علامة في تلك الأرض المستوية ، فوصل إليها ، علم أنه كان يجري وراء سراب خادع ، وانقطعت أنفاسه.
ويتخيل صورة راكب سفينة في خضم بحر عميق متلاطم الأمواج ، وقد تراكم عليه الضباب وغشيته الظلمات ، فلم يعد يرى مسافة ذراع عنه ، ولم يدر كيف يتجه فأيقن بالهلاك.
وفي هذا ما يجعل كل عاقل يؤمن بالله ، ويخلص في عمله لوجهه الكريم.